لقد تطورت التكنولوجيا كثيرًا عبر التاريخ الإنساني، وأصبح التقدم التكنولوجي يحدث بوتيرة متسارعة عبر العالم، وباتت التكنولوجيا تتحكم في حياتنا اليومية، وأصبحت لها إسهاماتها في تعزيز التنمية الاقتصادية للدول.
إنَّ أودية التقنية، وحدائقَ المعرفةِ، والحاضناتِ، ومسرِّعاتِ الأعمالِ، وسائلُ وأدوات يجب أن تتعامل معها الجامعات والمؤسسات التعليمية السعودية في محاولةٍ جادةٍ لاستثمارِ طاقاتِ أبنائها ومنسوبيها، وتحفيزهم في تحقيقَ نتائجَ ممتازةٍ، تتيح للمبدعين منهم فرصة عرض أفكارهم البحثية، وهذا يؤدي في النهاية إلى تحقيق رؤية ولي العهد -يحفظه الله- في تحويل اقتصاد بلادنا الحبيبة من اقتصاد يعتمد على ما تجود به الأرض من نفط، وغاز، ومعادن، إلى اقتصاد يعتمد على ما يجود به عقل الإنسان السعودي المبدع من معرفة؛ وهو ما يطلق عليه (الاقتصاد المعرفي).
إنّ هذا التحوّل أصبح واجب المرحلة، وقد سبقتْ إليه دولٌ عديدة استطاعت من خلالِهِ أن تُنقذ اقتصادها من ركودٍ قاتل، ودوننا اليابان، التي تعد الآن من بين أكثر الدول المتقدمة تكنولوجيًا على ظهر الكوكب؛ فقد مرَّتْ خلال تسعينيات القرن الماضي بفترة ركودٍ صعبةٍ، واستطاعتْ تجاوز هذه المرحلة عبر توظيف المعرفة اقتصاديًا، أصبحت بذلك موطنًا لأكثر الشركات في العالم من حيث حجم الإيرادات.
سنغافورة أيضًا تُمثل نموذجًا رائعًا في توظيف اقتصاديات المعرفة، وقد فازت بجائزة (مدينة المعرفة) لسنتين متتاليتين، وتمكنت عبر هذا المسلك من رفع متوسط دخل الفرد إلى قرابة أربعين ألف دولار سنويًا.
(فنلندا) نموذجٌ ثالثٌ لبركات اقتصاد المعرفة، فهذه البلادُ التي لا تملك الكثير من الثروات الطبيعية تتصدَّر اليوم دول العالمِ كلَّها في نظامِها التعليميّ؛ حيثُ دشَّنَتْ نظامًا تعليميًا متفرِّدًا وُصف بأنّه (أكثر أنظمة التعليم غرابةً في العالم)، هذا التصدُّر المعرفيّ جعل (فنلندا) رقمًا اقتصاديًا صعبًا، ولا سيما في قطاع الاتصالاتِ.
كوريا الجنوبية نموذجٌ رابع باتت تتبوأ مكانةً مرموقةً بين دول العالم حاليًا، وتعتبر صاحبةَ الأداء الأقوى، والمتميز، في نظامها التعليمي، وفق التصنيفات العالمية للدول المتفوقة في التعليم؛ وبذلك خلقت الإنسان الواعي والمبدع والملتزم بأخلاقيات العمل وقيمتي الوقت والانضباط.
وتُعد كوريا الجنوبية حاليًا من الدول القليلة في العالم التي نجحت في التحول من الاقتصاد منخفض الدخل إلى الاقتصاد مرتفع الدخل، وباتت رائدة في مجال التكنولوجيا والابتكار في العالم.
وهناك العديد من الشركات الكورية الرائدة في قطاع الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات مثل: سامسونج، وال جي، وإس كيه هاينكس، ونافيز.
الخلاصةُ.. إن واقعنا المعاصر شهد كثيرًا من (التجارب الاقتصادية المعرفية) العالمية التي تمكّنت من تجاوز الصعوباتِ، وإيجادِ واقعٍ معيشيٍّ أفضل، وأعتقد أن ولي العهد -يحفظه الله- كان ينظرُ لهذه التجارِب كلها؛ ولإيمانه بقدرة المواطن السعودي أطلقَ رؤيته باتجاه تأسيس اقتصادٍ معرفيٍّ.
إنّها رؤيةُ (أمير).. لذلك علينا جميعًا أن نكون أدواتٍ لتحقيق رؤيته -وفقه الله-.