في المجتمعات المزدهرة يجتهد بعض العلماء البارعين في تبسيط العلوم، وتقديم تاريخ العلم ومسائله والتحولات التي طرأت على مسيرته؛ وبذلك لا تكون العلوم تخصصات معزولة عن التفكير العام، وإنما يصبح المتابعون لهذه الجهود مُلمين بالقضايا العلمية وبالجدل العلمي وبالتحولات العلمية.
جميل جدًّا أن يقرأ الناس في مجال التاريخ والأدب والفن الروائي وفي مختلف المجالات الثقافية لكن أجمل من ذلك أن تتعرف كل الأجيال على تاريخ العلوم، وأن يلموا بالأفكار العلمية الأساسية.
لذلك ينشط القادرون في المجتمعات المتقدمة في تبسيط العلوم وتقديمها للمتابعين بأساليب سهلة وشيقة؛ وبذلك يرتبطون بالتفكير العلمي الذي هو الهدف من أي تعليم.
من أبرز الذين أسهموا في تبسيط العلوم العالم البريطاني لانسلوت هوجين؛ فقد ألَّف كتابًا بعنوان: (الرياضيات للملايين) يستهدف من هذا الكتاب أن يزيل عن الرياضيات ما وُصِفَتْ به من جفاف ليجعلها سهلةً ومسليةً.
أما الكتاب الأعظم فهو كتابه الضخم (العلم للمواطن)، وهو يتكون من خمسة مجلدات.
المجلد الأول يتكوَّن من جزأين يتناول فيهما المناظير والكواكب والبحار؛ فالتحول نحو العلم الحديث قد بدأ من خلال الكشوف الكونية مع كبلر وكوبرنيكوس وجاليليو، لقد بدأ العقل البشري بالتفتح مع الانبهار بما كشفت عنه المناظير عند جاليليو والمجهر عند ليفنهوك.
ويتناول في المجلد الثاني بدايات وتطورات العلم في مجالات التعدين والكيمياء، وبيَّن الكيفية التي حطَّم فيها الإنسان الحواجز المناخية؛ فعاش في الصحاري مثلما ما عاش في المنطقة الاستوائية أو في المناطق المتجمدة؛ فالإنسان قادر على تغيير طبيعة البيئة كما أنه قادر على التأقلم مع أية بيئة.
أما المجلد الثالث فيتناول فيه طفرة الاختراعات؛ فيذكر الاختراع واسم المخترع كما يتحدث عن اكتشاف المغناطيسية، وكيف أن هذا الاكتشاف قد أدى في النهاية إلى اكتشاف الجاذبية والقوانين الكونية كما يتضمن هذا المجلد قضايا علمية مختلفة.
أما الجزء الرابع والخامس فيخصصهما عن الحياة والأحياء وعن الإنسان وأمراضه، والتطورات التي اكتسبها الطب في فهم طبيعة المرض، وكيفية علاجه والتطرق إلى اكتشاف التخدير، وكيف أنه مثَّل قفزة نوعية عظيمة في تطور الجراحة، وفي تحرير الإنسانية من آلام فظيعة.
إن عمل لانسلوت هوجين يُعَدُّ عملًا رائدًا في تبسيط العلوم لتكون في متناول الجميع لذلك دخل في تفاصيل ربما كان من الأفضل أن يتركها للمختصين فغير المتخصص لا يحتاج كل هذه التفاصيل، وهو الأسلوب الذي اتبعه آخرون أسهموا في تبسيط العلوم وتقديم المعارف العلمية بطريقة أكثر أناقة وأقل دخولًا في المسائل التفصيلية، وربما أقدم بعضهم في مقالة أو مقالات لاحقة.
0