المقالات

الريال الرقمي

ةتسعى المملكة العربية السعودية إلى تعزيز وتطوير قطاعها المالي في إطار التحولات الاقتصادية العالمية والتقدم التكنولوجي، وتُعتبر خطوة المملكة العربية السعودية نحو إصدار عملة الريال الرقمي مبادرة إستراتيجية تحمل في طياتها الكثير من الأهمية بما يتماشى مع تحقيق العديد من أهداف برنامج تطوير القطاع المالي ورؤية 2030 الأمر الذي من شأنه تعزيز كفاءة المعاملات المالية، ومن ثم إحداث نقلة نوعية للاقتصاد الوطني.
ولا شك أن إصدار الريال الرقمي سوف يُساهم وبشكل كبير فى تعزيز الشمول المالي في المملكة؛ حيث سيمكن شريحة واسعة من المجتمع، خاصة الفئات غير المتعاملة مع البنوك، من الوصول إلى الخدمات المالية كما سيسهل من المعاملات البنكية اليومية والمعاملات التجارية، ومن ثم رفع نسب أصحاب التعاملات أو الحسابات البنكية إلى 90% بحلول 2030 حتى تتساوى مع الدول المتقدمة. وبالنظر إلى الآثار الاقتصادية المحتملة لعملة الريال الرقمي نجد أن هذه العملة ستُتيح تحسين كفاءة المدفوعات وتنفيذها بشكل أسرع، مما يُعزز من إنتاجية الأعمال ويقلل من التكاليف التشغيلية مما يُساهم فى تعزيز ازدهار قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة. بالإضافة إلى ذلك، سيساهم الريال الرقمي في جذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية المباشرة، والتي وصلت قيمتها 808 بليون ريال في 2023 منها 122 بليون ريال تدفقات في 2022، ومن المتوقع أن يتم مضاعفة هذا الرقم ليصل إلى 388 مليار ريال بحلول 2030 وفقًا للنشرة الربعية لبيانات الاستثمار التي تصدرها وزارة الاستثمار. كما يمكن للريال الرقمي أن يُحسن من القدرات التنافسية للشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في السوق المحلي على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال تسهيل، وتحسين معاملات التجارة الدولية الأمر الذي سينعكس على اقتصاد المملكة ومن ثم نقلها إلى مصاف الدول الرائدة في المجال المالي والتجاري. ومن المتوقع أيضًا أن يُساهم الريال الرقمي في خفض النقد المتداول خارج النظام البنكي والذي يُسمى currency in circulation والمقدر بنحو 225 بليون ريال في نهاية يوليو 2024؛ وستستفيد البنوك من هذه الأموال في إقراضها؛ إذ إنها ستكون بصفة ودائع …
وفيما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال تعتبر مكافحة غسيل الأموال إحدى الأولويات العالمية في القطاع المالي، ويمكن للريال الرقمي أن يلعب دورًا بارزًا في هذا المجال. بفضل الطبيعة الرقمية للعملة، يمكن تتبع المعاملات المالية بدقة وشفافية أكبر. وهو ما سيعزز من قدرة المؤسسات المالية والرقابية على رصد وتحليل الأنشطة المالية المشبوهة، وبالتالي الكشف عن عمليات غسيل الأموال بفعالية أكبر. علاوةً على ذلك، يمكن دمج تقنيات متقدمة مثل: الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتعزيز جهود مكافحة غسيل الأموال.
وعلى الرغم من الفوائد المحتملة إلا أنه يمكن رصد مجموعة من التحديات والسلبيات عند تبنى هذه المبادرة. من أبرزها المخاطر الأمنية المتعلقة بالأنظمة الرقمية؛ حيث يمكن أن تتعرض للاختراقات أو الأعطال، ما قد يؤدي إلى فقدان الثقة في العملة الجديدة. لذلك، يتطلب الأمر استثمارات كبيرة في تعزيز الأمان السيبراني والبنية التحتية التقنية. كما يجب على المملكة العمل على تطوير إطار تنظيمي شامل لضمان الأمان والامتثال، والالتزام بتبني القوانين والسياسات اللازمة التي تتوافق مع المعايير العالمية. كما قد تواجه الأخيرة مقاومة من المستخدمين بسبب المخاوف المتعلقة بالخصوصية وحماية البيانات. لذا، من الضروري القيام بحملات توعية لتثقيف الجمهور بشأن فوائد الريال الرقمي وأمانه.
لا شك أن إصدار عملة الريال الرقمي يُمثل خطوة هامة نحو تعزيز الاقتصاد الوطني السعودي، والمضي قدمًا في تحقيق أهداف برنامج تطوير القطاع المالي مع الفوائد المتعددة التي يمكن أن تجلبها هذه العملة، إلا أن المملكة تحتاج إلى مواجهة التحديات المرتبطة بها بشكل فعال لتحقيق النجاح الملموس في تنفيذ هذه المبادرة. وذلك من خلال الاستفادة من تجارب الدول الرائدة في هذا المجال، وضرورة تعزيز التثقيف المالي للأفراد من خلال إنشاء مؤسسة لنشر الثقافة المالية للأفراد والمؤسسات وخاصة الصغيرة والمتوسطة.
• كاتب اقتصادي سعودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى