قرون من الإهمال عاشته هذه الأرض فرغم أن هذه البلاد تضم الحرمين الشريفين وأنها قبلة المسلمين وأنها تستقبل جموع الحجاج كل عام من كل مكان وأن المسلمين يتجهون إليها في اليوم خمس مرات فإن العرب حين خرجوا منها وأنجزوا الفتوحات وأقاموا دولتهم العظيمة في دمشق ثم في بغداد ثم في القاهرة وفي غرناطة ثم في الاستانة أي حين كانت دولة الإسلام هي الدولة الأقوى في العالم فإن الحكام الذين خرجوا من هذه البيئة القاحلة فصار لهم دولة مرهوبة وامتلكوا السلطة العظمى والثراء الواسع لم يلتفتوا إلى هذه الصحراء فأهملوها إهمالا تامًّا بل حتى مكة والمدينة كان نصيبهما الاهمال فكانتا في وضع بائس خلال القرون رغم مكانتهما المقدسة. إن هذه الصحراء خلال قرون المجد الإسلامي كان نصيبها الاهمال التام والتجاهل الدائم فقد اعتبروها أرضًا قاحلة طاردة فلا ينتظرون منها خراجًا ولا يتوقعون منها مددًا في أي شأن مما ينتظرونه من الآفاق التابعة لهم
علينا نحن أبناء هذا الجيل أن نقرأ التاريخ بعمق وأن نتوقف أمام التغيرات النوعية الهائلة التي تعيشها هذه البلاد لندرك عظمة الانجازات ونكتشف عمق التغيُّر فالفراغ حلَّ محله الامتلاء أما الجفاف والفقر والمساغب فقد حل محلهما الازدهار والرخاء إن المقارنة بين ما كان من فقر وخوف وعوز ومجاعات وشتات وفُرْقة واقتتال وما هو متحقق لا يدع أي مجال للمقارنة إنه الفرق الهائل بين الوجود والعدم.
إن الحقائق مهما بلغت من السطوع والتجلي والوضوح فإننا نحن البشر قد نغفل فلا نرى ما هو ساطع لذلك يبقى الناس بحاجة إلى التذكير بأشد الحقائق وضوحًا ….
إن هذا الجيل من السعوديين الذين يعيشون في نعمة الأمن والرخاء والازدهار بحاجة إلى من يذكرهم بما كانت عليه هذه الصحراء من شتات وخوف واحتراب حيث تم إهمالها إهمالا تامًّا من دولة الخلافة خلال كل العصور. لذلك قد يكون مناسبًا التذكير بكتاب (الملك عبدالعزيز: دراسة وثائقية) للشيخ عبدالعزيز التويجري فالكتاب وثيقة تاريخية عظيمة.
• عضو مجلس الشورى سابقًا
0