المقالات

دلالات عميقة في قصته

مات أبواه وهو ما يزال طفلا فلم  يتمكن من مواصلة التعليم النظامي فانخرط في الحياة العملية مبكرا فقد صار بحَّارًا منذ سن السادسة عشرة وبقي يصارع هذه المهنة الشاقة والخطيرة عشرين عامًا ولم يترك مشاق البحر حتى صار جسمه واهنًا لا يتحمل الاستمرار في مواجهة مشقات البحار بأمواجها العاتية ومخاطرها المتكررة ……
جوزيف كونراد إنسانٌ بولنديٌّ لكنه اختار بعد تركه مصارعة البحار أن يعيش في بريطانيا ونال الجنسية البريطانية ورغم أنه لم يتعلم اللغة الانجليزية إلا بعد العشرين من عمره حيث تعلمها عن طريق المعايشة أثناء العمل في البحرية البريطانية لكنه أجاد اللغة الإنجليزية إجادة مكَّنته من أن يصبح من أعظم المبدعين ليس فقط باللغة الإنجليزية وإنما على مستوى الإبداع العالمي …..
إن قصة جوزيف كونراد ذات دلالات عميقة وهي تدل على أن الموهبة الإبداعية تفرض نفسها في أحلك الظروف فهذا المبدع العالمي لم ينل من التعليم النظامي سوى القليل وربما أن نجاته من التطويع التعليمي كانت من أهم عوامل تفوقه الإبداعي ……
إن إبداع جوزيف كونراد كان شديد الضياء فلَفَتَ أنظار الدارسين بل لفت أنظار الفلاسفة والمفكرين فاتخذ إدوارد سعيد إبداعات كونراد موضوعًا لأطروحته للدكتوراه وظل طيلة حياته النقدية مهتمًّا به وبإبداعاته ……
ورغم المكانة الفلسفية الرفيعة للفيلسوف برتراند راسل فقد أُعجب به أشد الإعجاب وسعى إلى لقائه وحرص على التعرف عليه وظل صديقًا له حتى وفاته ……
من النادر أن يمنح برتراند راسل إعجابه لأحد فمتطلباته للإعجاب شديدة ودقيقة وعالية وقد كتب عن قلة من الأفراد وكان جوزيف كونراد أشدهم لفتًا لانتباهه فسعى وهو الفيلسوف العظيم إلى لقائه وداوم على التواصل معه واستمر إعجابه به ……
جوزيف كونراد مبدع في مجال الفن الروائي وفي مجال القصة القصيرة. وإبداعه الروائي والقصصي قد تُرجِم إلى مختلف اللغات كما تُرجم إلى اللغة العربية…..
زار الكنغو أثناء الاستعمار البلجيكي فأفزعه التسلط الاستعماري فسجل هذا الفزع في رواية تحمل عنون ( قَلْب الظُّلُمات) وله عدد من الروايات الأخرى المترجَمة إلى اللغة العربية لكن يهمني التنويه إلى أن لهذه الرواية العظيمة ترجمات متعددة وهي تستحق هذا الاهتمام فقد ترجَمها صلاح حزين بعنوان (قلب الظلام) وترجمتها الدكتورة هدى حبيشة بعنوان (قلب الظلمات) وهو العنوان الذي اختاره الدكتور إدوارد سعيد كما ترجمها الدكتور مالك سلمان بعنوان (قلب الظلمة) أما مدحت طه فقد ترجمها بعنوان (قلب الظلمة) هذا المبدع نموذجٌ على فاعلية التعلُّم اندفاعًا وعلى عُقْم التعلُّم اضطرارًا فقد علَّم نفسه وأبدع إبداعًا طاف العالم ……….
ابراهيم البليهي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com