يقول المخرج والمنتج السينمائي الأمريكي العالمي من أصول سورية “مصطفى العقاد”؛ كنت أظن أن الأم لا تكذب، ولكني أدركت أن ظني مخطئ بعدما كذبت عليَّ أمي ثماني كذبات؛ وإليكم أكاذيب أمي لتعرفوا كيف تكذب الأم:
كنت الابن الوحيد في أسرة فقيرة لم يكن لدينا ما يكفي من الطعام، وعندما كُنا نأتي بأرز قليل لنسد به جوعنا، كانت أمي تعطيني نصيبها من الأرز، وتحوَّله من طبقها إلى طبقي، وتردد يا ولدي أنا لست جائعة… هذه كذبتها الأولى.
كانت أمي تذهب لصيد السمك في نهر قريب، تمكّنت من صيد سمكتين، وأسرعت إلى المنزل وقامت بإعداد وجبة الغذاء ووضعت السمكتين أمامي، بدأت في التهام السمكة الأولى، وبعدها وضعت السمكة الثانية أمامي فأعدتها لها؛ فقالت: يا بُني إني لا أحب أكل السمك… وكانت كذبتها الثانية.
عندما كبرت لم يكن معنا من المال ما يكفي للصرف على تعليمنا، عملت أمي في تسويق الملابس على النساء في المنازل لتوفير المال اللازم على تعليمي، وفي ليلة شتاء ممطرة تأخرت أمي في العمل، فخرجت أبحث عنها، وجدتها تحمل على ظهرها الملابس وتطرق الأبواب، فناديتها لكي تعود إلى المنزل؛ لأن الوقت متأخر وظهور الإرهاق عليها، ابتسمت قائلة: يا بُني أنا لست مرهقة… وكانت كذبتها الثالثة.
أصرت أمي على الذهاب معي إلى المدرسة في يوم اختبار آخر العام، ووقفت تنتظرني خارج المدرسة تحت أشعة الشمس الحارقة، وبعد انتهاء الاختبار وجدتها تنتظرني ومعها كوب فيه مشروب بارد، قمت بالشرب حتى ارتويت، ونظرت إلى وجهها فوجدت العرق يتصبب منه، فأعطيتها الكوب لتشرب، فردت: يا بُني اشرب أنا لست عطشانة… وهذه كذبتها الرابعة.
بعد وفاة والدي أصبحت مسؤولية المنزل تقع على عاتقها، وأصبحت الحياة أكثر تعقيدًا، وأصبحنا نُعاني من العوز، وعندما رأى الجيران حالتنا نصحوا أمي بأن تتجوز رجلًا يساعدها في تربيتنا خاصة وهي في سن صغيرة، رفضت الزواج قائلة: أنا لست بحاجة إلى الحب والزواج… وهذه كذبتها الخامسة.
بعد تخرجي من الجامعة، حصلت على وظيفة، وأردت أن تستريح أمي وتترك مسؤولية الإنفاق على المنزل، وكانت وقتها لم يعد لديها من الصحة ما يكفي على طرق المنازل وبيع الملابس على ربات البيوت، رفضت ترك العمل، وقد قلت لها إني خصصت لها جزءًا من راتبي، قائلة: إن معي ما يكفي من المال… وهذه كذبتها السادسة.
كنت أواصل دراسة الماجستير بجانب عملي وحصلت على الدرجة وزاد راتبي، ومنحتني الشركة الألمانية فرصة العمل بفرعها الرئيسي بألمانيا، عرضت على أمي الإقامة معي في ألمانيا، لكنها لم تحب أن تضايقني وقالت: يا بُني لست معتادة على الحياة المترفة… وكانت كذبتها السابعة.
بعد أن وصلت أمي لسن الشيخوخة وعانت من الأمراض، كان يجب أن أكون بجانبها، غادرت ألمانيا لزيارتها في منزلها، وجدتها طريحة الفراش، وعندما رأتني حاولت أن تبتسم، لكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة، ليست أمي التي أعرفها، انهمرت دموعي، حاولت أن تواسيني فقالت: لا تبكِ يا بُني فأنا لا أشعر بألم…وهذه كذبتها الثامنة.
صدق القائل:
أُمي وإن ملأَ المشيب عوارضي…سأظل طفلًا عندها أتدللُ
وتظل أُمي فوقَ كُلّ مُهمةٍ…حتّى شُموخِي عندها يتذللُ
0