آراء متعددةالمقالات

التوظيف السياسي للمعاناة.. قراءة تحليلية عميقة في مقالات رئيس تحرير صحيفة “مكة”

محمد بربر

تعد مقالات عبدالله الزهراني، رئيس تحرير صحيفة “مكة”، مرآة فكرية لعقل صحفي يسعى إلى تفكيك التلاعب السياسي والآيديولوجي في الشرق الأوسط. في مقالاته، يتناول الزهراني قضايا مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ودور حركة حماس، وعلاقة حزب الله وإيران بتلك الأزمات، حيث يقدم رؤية تحليلية جريئة وصريحة بعيدًا عن المجاملات، مع التركيز على الأسس الفكرية والاستراتيجية التي ينبغي أن تدير الحروب والنزاعات.

في هذه القراءة التحليلية، نلقي الضوء على رؤية الزهراني لتورط هذه الفصائل والكيانات في الأزمات الإقليمية، وكيف أن هذه الحروب غالباً ما تكون نتيجة لتخطيط ضعيف أو لخدمة أجندات سياسية لا تهتم بالنتائج المدمرة على الشعوب.

المحور الأول: قراءة في نقد عبدالله الزهراني لحركة حماس

يعد موقف الزهراني من حركة حماس الأكثر حدة وانتقادًا. في مقاله المعنون “غزة بين الذل والعزة”، يصف الزهراني الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل بأنه عمل غير محسوب ومتهور، حيث قادت غزة إلى دمار هائل وتشريد واسع للسكان المدنيين. ويرى أن هذه الحركة، التي طالما رفعت شعار المقاومة والتحرير، قد ألحقت الضرر الأكبر بالقضية الفلسطينية بتجاهلها للمسؤولية السياسية والعسكرية.

عبدالله أحمد الزهراني

يستخدم الكاتب عبدالله الزهراني لغة واضحة وصريحة لوصف الأحداث، مؤكدًا أن هناك فجوة كبيرة بين الشعارات التي ترفعها حماس وبين التخطيط الفعلي على الأرض. يشير إلى أن قرار الحرب لم يكن إلا “عبثًا وليست حربًا”، ويفسر ذلك بأن غياب التخطيط والتنسيق مع الجهات الداعمة سواء من الناحية الاستراتيجية أو الدبلوماسية قد جعل من معركة “طوفان الأقصى” خطوة انتحارية. هنا، يطرح الكاتب السؤال الجوهري: هل كان قرار الحرب حتميًا وضروريًا؟ وهل كانت القيادة مستعدة لتحمل العواقب الوخيمة التي ستلحق بالشعب الفلسطيني؟

المحور الثاني: حزب الله ودوره في المتاجرة بالقضية الفلسطينية
في مقالاته، يتناول الزهراني أيضًا دور حزب الله وحسن نصر الله في هذه المعادلة، حيث يوجه نقده إلى هؤلاء الذين يتخذون من المقاومة ذريعة للتدخل في الشؤون الإقليمية وتحقيق مكاسب سياسية، سواء على الساحة اللبنانية أو الفلسطينية. يصف الزهراني نصر الله بأنه “أحد المتاجرين بالقضية الفلسطينية”، معتبرًا أن دعواته المستمرة لتحرير القدس واستعادة حقوق الفلسطينيين ليست إلا شعارات جوفاء تخدم طموحات إيران التوسعية.

يظهر رئيس تحرير صحيفة مكة إدراكًا عميقًا للعلاقات الإقليمية التي تحكم تحركات حزب الله، حيث يوضح أن الحزب، الذي يمثل ذراعًا عسكرية وسياسية لإيران، يستخدم القضية الفلسطينية كوسيلة لتعزيز نفوذه في لبنان والمنطقة، دون أن يكون لتحركاته العسكرية أي تأثير حقيقي على تحرير الأراضي المحتلة. بل يرى الزهراني أن هذه التحركات تزيد من تعقيد الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان، ما يؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

المحور الثالث: إيران وتحالفاتها الإقليمية – توظيف الصراع لخدمة أجندات سياسية

لا يمكن قراءة تحليل الزهراني للصراع في المنطقة بمعزل عن النقد اللاذع الذي يوجهه لإيران وتحالفاتها مع حماس وحزب الله. ففي مقالته الساخرة حول التهديدات الإيرانية الموجهة لإسرائيل، يسخر الزهراني من التصريحات المتكررة للنظام الإيراني حول “الرد الحاسم” على إسرائيل، معتبرًا أن تلك التهديدات ليست سوى ستار دخاني يهدف إلى تضليل الرأي العام العربي والإسلامي.

يقول الزهراني بسخرية مريرة:
“أصبحت أتفائل بتهديدات الإيرانيين عندما يقولوا «سوف نرد على إسرائيل».. مشكلة الصواريخ الإيرانية تكون عكسية. الصاروخ الأول كان باستهداف قاسم سليماني والرد الثاني إسماعيل هنية والرد الثالث حسن نصر الله.”
من خلال هذا التوصيف، يوضح الزهراني أن الضربات الإيرانية على الخصوم الإقليميين كانت لها نتائج عكسية، حيث استهدفت رموزًا حليفة أو مؤثرة داخل المحور الإيراني نفسه، بدلًا من توجيه ضربات فعالة لإسرائيل. وهنا يبرز الزهراني جانبًا آخر من الصراع وهو الصراع داخل المحور “المقاوم” نفسه، حيث تتكشف التناقضات السياسية والعسكرية التي تحكمه.

المحور الرابع: المسؤولية الأخلاقية والسياسية لقادة المقاومة

في سلسلة مقالاته، يطالب الفصائل الفلسطينية والإقليمية بتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية تجاه الشعوب التي تدعي تمثيلها. فهو لا يتردد في توجيه رسالة قوية لقادة حماس وحزب الله، مفادها أن الوقت قد حان لتنفيذ وعودهم إن كانوا حقًا “مخلصين”. وفي حال عدم تحقيق هذه الوعود، فإنهم لا يعدون كونهم “كاذبين وخونة”، بحسب الزهراني.

هنا يظهر الزهراني كيف تكون استراتيجيات الحروب، حيث يشدد على أن أي معركة يجب أن تكون لها خطط واستراتيجيات محكمة، وليست مجرد رفع الشعارات الرنانة. الحروب ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي إدارة معقدة للموارد والتحالفات، وكذلك اتخاذ قرارات حاسمة ومبنية على تقديرات دقيقة لموازين القوى.

المحور الخامس: تحليل استراتيجي للحروب في الشرق الأوسط
يتناول الزهراني في مقالاته الحروب في الشرق الأوسط كموضوع استراتيجي معقد، يشمل القوى الإقليمية والدولية المختلفة. من خلال نقده لحماس وحزب الله، يقدم رئيس تحرير صحيفة مكة رؤية مفادها أن الحروب التي تُشن تحت راية المقاومة تحتاج إلى عقلانية أكبر وخطط متقدمة تضمن عدم تكرار المآسي الإنسانية. فمع كل حرب غير مخطط لها بشكل جيد، يعاني المدنيون العزل، وهو ما يعتبره الزهراني تقصيرًا أخلاقيًا وسياسيًا يجب محاسبة القادة عليه.

ويؤكد أن أي حرب يجب أن تكون مدعومة بحسابات دقيقة للقوة العسكرية والاقتصادية، وخطط بديلة في حال فشل الخطة الرئيسية، وما يراه في حروب الشرق الأوسط هو غياب لهذه الحسابات، مما يؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة وتدمير للبنية التحتية دون تحقيق أهداف ملموسة على الأرض.

مسؤولية الإعلام في كشف الحقيقة

هُنا، ينبغي التأكيد على أن رئيس تحرير صحيفة مكة اهتم بتناول دور الإعلام في كشف الحقائق وتقديم التحليلات الدقيقة التي تنأى عن العواطف والشعارات الفارغة، نجده يرى أن الإعلام يجب أن يكون أداة لتوجيه الشعوب وتنبيه القادة إلى مسؤولياتهم الحقيقية، بعيدًا عن التلاعب بالعواطف أو الترويج لشعارات غير قابلة للتحقيق. بذلك، يضع خطًا فاصلًا بين الإعلام الذي يخدم الحقيقة والإعلام الذي يخدم الأجندات السياسية.

إنني حين أتطلع كباحث لقراءة الزهراني للقضية الفلسطينية والصراعات الإقليمية، أجدها بمثابة دعوة إلى تبني رؤية أكثر نضجًا واستراتيجية، تحترم دماء الشعوب وتعمل على تحقيق أهداف واقعية بعيدًا عن الشعارات الرنانة التي لا تجلب إلا الدمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com