المقالات

وثيقة المسجد النبوي للفتوى ودورها في تعزيز الوسطية ومكافحة التطرف الديني

بقلم: المحامي عادل المالكي

حقيقة لم يكن اختيار المدينة المنورة مقصداً لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه محض صدفة أو قراراً ارتجاليا بل كان ذلك قدراً ربانيناً شرعياً، وهنا تكمن أهمية الندوة لأهمية وقدسية المكان .
وإن القيادة الرشيدة وفقها الله وسددها برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية حفظه الله تعالى ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد الأمين ورئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه
وهذه الرعاية الكريمة و الحكيمة لها جذورها التاريخية وقد قام المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل
طيب الله ثراه
بجمع كلمة المسلمين تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله
وذلك بعقد مؤتمر ودعوة العلماء في المسجد الحرام بمكة المكرمة حرسها الله
ولما كانت مكة المكرمة مهبط الوحي، ومهوى أفئدة المسلمين، يثوبون إليها عامًا بعد عام كانت مكانتها في نفوس المسلمين أعمق، فهي محط أنظار العالم أجمع، وملتقى العلماء من أرجاء المعمورة، وقد أدرك الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه أهمية التواصل مع علمائها،
من نجد والحجاز وبمن يقوم بمهمة إيصال الصورة الصحيحة للدعوة الإسلامية الوسطية، وبيان ما فيها من الحق والإجتماع على المتفقات ورأب الصدع ونبذ الفرقة والخلافات
وقد شهد التاريخ مواقف كثيرة لعلماء الدعوة النجدية وتواصلهم المستمر مع علماء مكة المكرمة للتباحث حول قضايا مهمة لجمع الكلمة تحت مبدأ ” المسلمون أمة واحدة من دون الناس” ومبدأ “هو سماكم مسلمين” و إمتداداً لذلك جأت وثيقة مكة المكرمة التي استلهمت في أحكامها ومقاصدها من الوثيقة النبوية التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في المدينة المنورة وهي أول قانون دستوري إسلامي عريق مكتوب، وقد حرصت وثيقة مكة أسوة بذلك بوضع ميثاق عالمياً إسلامياً يؤسس لقيم التعايش الإسلامي والإنساني ومراعاة الانتماءات الثقافية والمذهبية حول العالم وهي تَعدُ من قبيل تشريعات القانون الدولي العام والتي لايجوز مخالفتها لأنها من النظام العام
وكذلك تأكيداً جأت وثيقة مد الجسور بين المذاهب التي وضعت معايير
عامة مجردة ومنها ما قررته من مقتضى مقاصد الشريعة حفظ الوطن من أي مساس بهويته أو أمنه أو مقدراته أو عموم مصالحه وأصبح من المهم بضرورة ذلك لأنه صمام أمان للمقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية وحفظ الأمن واجب شرعي ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجبٌ حكماً ومعناً .
وإيضاحاً لماسبق جأت وثيقة المسجد النبوي للفتوى ووضعه قواعد مفسرة إيضاحية عامة ومعايير قانونية لمن هم منوط بهم تقديم الرسالة العالمية الوسطية التي تمثل الإسلام الصافي النقي
المعتدل وهي بمثابة الحجة النظامية على أرباب الصناعة الفقهية والدعوية في أداء هذه الأمانة
وتتلخص الوثيقة
في ترتيب مرجعية موحدة وتنظيم محكم في ظل تطور الحياة وتشعب مسائلها اليومية، يبقى دور الفتوى في الإسلام ركيزة أساسية لتوجيه المسلمين نحو الفهم الصحيح لأحكام الشريعة. ويأتي المسجد النبوي الشريف، كأحد أبرز المراكز الدينية والعلمية في العالم الإسلامي، ليضطلع بمهمة تنظيم الفتوى وتقديمها وفقًا لضوابط منهجية دقيقة. من هنا، برزت وثيقة المسجد النبوي للفتوى كمرجعية رسمية لتنظيم عملية الإفتاء داخل هذا المعلم التاريخي والديني الكبير، ولضمان تقديم الفتاوى بصورة مسؤولة ومبنية على الأدلة الشرعية الصحيحة.
أولا .توحيد الفتوى هدف أساسي:
تهدف وثيقة المسجد النبوي إلى توحيد الفتوى داخل الحرم الشريف، والتأكد من أن كل فتوى تصدر بما يتوافق مع الكتاب والسنة، مع مراعاة الأوضاع الزمنية والمكانية التي يعيشها السائلون. ويأتي هذا التوجه من منطلق ضرورة توحيد منهج الإفتاء داخل المسجد، وتجنب التناقضات التي قد تحدث نتيجة الاختلاف في الاجتهادات الفقهية أو التأويلات.ومن خلال توحيد الفتاوى وتنظيم إصدارها، تضمن الوثيقة أن تكون الفتوى التي يتلقاها المسلمون في المسجد النبوي متسقة مع المبادئ الشرعية ومعتمدة على مصادر موثوقة، مما يسهم في تعزيز الثقة بين المصلين والمفتين، ويحد من انتشار الفتاوى العشوائية أو غير المعتمدة.
ثانياً.ضوابط الفتوى الدقة والتخصص:
من أبرز ما تتميز به وثيقة المسجد النبوي للفتوى هو تحديد ضوابط دقيقة لمن يباشر الإفتاء. فقد تم اعتماد مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوافر في المفتي، من بينها التأهيل العلمي الشرعي العالي المعتبر والقدرة على استنباط الأحكام من مصادرها الصحيحة. إضافة إلى ذلك، يُشترط على المفتين الالتزام بالوسطية والاعتدال في الفتوى، وتجنب التشدد أو مايؤدي إلى التطرف.
كما تمنع الوثيقة تناول الفتاوى ذات الطابع السياسي أو الشخصي التي قد تثير الفتن أو تؤدي إلى خلافات. ويتم التركيز على تقديم الفتاوى التي تراعي الظروف الاجتماعية والثقافية للسائلين، بما يضمن أن تكون الفتوى مواكبة لاحتياجات المسلمين في حياتهم اليومية.
ثالثاً.تعزيز الموثوقية للفتوى من مصدرها:
تعد وثيقة المسجد النبوي للفتوى ضمانة لتعزيز الموثوقية في الفتاوى الصادرة عن علماء المسجد، حيث تضع هذه الوثيقة إطارًا عامًا يُلزم المفتين بالالتزام بالمصادر الشرعية المعتبرة والرجوع إلى اجتهادات كبار العلماء المعترف بهم. وبالتالي، فإن أي فتوى تصدر من داخل المسجد النبوي هي فتوى موثوقة ومدعومة بالأدلة، ما يسهم في توحيد الرؤية الدينية لدى المسلمين والحد من الاجتهادات الفردية غير المنضبطة.
رابعاً.الوسطية في الفتوى رسالة المسجد النبوي:
تسعى وثيقة المسجد النبوي إلى ترسيخ مفهوم الوسطية في الفتوى. فالاعتدال هو نهج الإسلام في التعامل مع القضايا الدينية والدنيوية، والفتوى الصادرة من المسجد النبوي تتسم دائماً بالتوازن بين التيسير والتشديد، مع مراعاة طبيعة الموضوع المطروح. ولهذا السبب، تعد الفتوى داخل المسجد النبوي مصدرًا مطمئنًا للناس، لأنها لا تميل إلى التطرف في أي اتجاه، بل تعكس روح الشريعة الإسلامية السمحة التي تهدف إلى تحقيق مصلحة المسلمين.
خامساً.نحو فتوى موحدة وموثوقة:
في زمن تزداد فيه التساؤلات الشرعية وتتعدد فيه الآراء، تأتي وثيقة المسجد النبوي للفتوى لتضع منهجًا واضحًا وضوابط دقيقة للإفتاء، تضمن توحيد الرؤية الفقهية وتقديم الفتوى من مصادرها الصحيحة. وهذا التنظيم يسهم في تعزيز الثقة بين المسلمين ومرجعياتهم الدينية، ويؤكد على أهمية الوسطية والاعتدال في كل فتوى تصدر.
وتظل وثيقة المسجد النبوي نموذجًا يحتذى به في تنظيم الفتوى وضبط مسارها، مما يجعل المسجد النبوي منارة للإرشاد الديني السليم وقبلة لكل من يبحث عن الفتوى المستنيرة والمعتدلة.
وهذه الوثيقة بحد ذاتها تعد مفخرة قانونية لعلماء المسلمين وهي من إنجازات ومقدرات الوطن
والحمد لله رب العالمين..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى