المقالات

الغُربة تُبرِز القدرة

تختلف قابليات الأفراد كما تختلف استجاباتهم للأحداث والمعلومات والمثيرات والمواقف ….
الغُرْبة هي من الأحداث الضاغطة والمثيرة والمؤلمة فتكون استجابة الأكثرية هي الانكسار والشعور بالعزلة والضياع ولكن بعض الأفراد تكون الغربة حافزًا لهم على التميز وتكوين قدرات استثنائية ربما لم يكن يتاح لها البزوغ لو بقوا راكدين في مجتمعاتهم لكنهم غامروا بالاندفاع خارج بيئاتهم إلى بيآت مغايرة كليا وحين واجهوا صعوبات الغربة تفتقت مواهبهم وبزغت قدراتهم فصارو مميزين داخل المجتمعات التي انضموا إليها بل صاروا أيضا مميزين على المستوى العالمي ……
ادوارد سعيد اضطر أن يخرج من وطنه فلسطين فهاجر أولا لمصر ثم هاجر إلى أمريكا واكتسب الجنسية الأمريكية وكافح حتى صار ذا شهرة عالمية وبات مرجعًا عالميا في بعض القضايا الفكرية ……
سيوران اندفع خارجًا من وطنه رومانيا فاستقر في فرنسا فصار من أشهر فلاسفة العصر …..
ميلان كونديرا ضاق به وطنه تشكوسلوفاكيا أثناء الفترة الماركسية فاضطر أن يهاجر إلى فرنسا فصار من أشهر المبدعين في العالم …..
وقد لفت نظري ثلاثةٌ ضاقت بهم بلادهم بولندا أيام سطوة النظام الماركسي فهاجروا إلى العالم الإنجلوسكسون فصارت لهم شهرة مدوية ليس فقط في الأوطان التي هاجروا إليها وإنما كانت شهرتهم عالمية …..
الأول جوزيف كونراد وقد اندفع في مرحلة الطفولة خارج مجتمعه واستقر في النهاية في بريطانيا فصار مبدعًا عالميا …..
والثاني زيجمونت باومان الذي اضطر إلى ترك وطنه بولندا أيام النظام الماركسي واستقر في بريطانيا فصار من أبرز مفكري وعلماء العلوم الإنسانية فمؤلاته تُرجِمت إلى مختلف اللغات وبات مقروءًا على المستوى العالمي ….
يقول باومان عن المصيدة الثقافية: ((إن الثقافة البشرية هي الجهد العملاق لإعطاء معنى للحياة الإنسانية لكنها الجهد العنيف لقمع الوعي بالبديل)) فالتشرب الثقافي هو السبيل الوحيد لدخول الفرد في العالم الإنساني لكن هذا التشرب هو القيد والمصيدة التي تُبقي الملايين يتوارثون الأوهام دون أن يدركوا فظاعة المأزق …….
أما الثالث فهو ميلتون روكيتش الذي اضطر أن يهجر وطنه بولندا وأن يستقر في الولايات المتحدة الأمريكية وأن يصبح من أشهر علماء النفس الاجتماعي حيث تترجم مؤلفاته إلى مختلف اللغات ومن آخر وأهم مؤلفاته المترجمة كتاب (العقل المفتوح والعقل المغلق) وقد تَرْجَمَه لؤي خزعل جبر ونشرته دار سطور وهي دار نشر عراقية ناشطة في ترجمة روائع الفكر العالمي …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى