من أعظم النعم التي منحها الله للإنسان نعمة العقل، فهي الفرق بينه وبين الحيوان. بالعقل عرف الإنسان الله وتبين الحق، وبالعقل ميّز بين ما يضره وما ينفعه، وبالعقل سخّر قوانين هذه الحياة لمصلحته، وبالعقل استطاع أن يصنع هذه الحضارة الكبرى التي تعيشها البشرية اليوم.
وقد قال الله سبحانه وتعالى في بيان منزلة العقل: “إنَّ شرّ الدوابِّ عند الله الصمُّ البكم الذين لا يعقلون”، فالذين لا يعقلون ليسوا دوابًا فحسب، بل هم شر الدواب!
ومما يدل على منزلة العقل أن الله حثّ على استخدامه بطرق مختلفة. فتارةً يرغّب في ذلك بقوله: “أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها”، وتارةً يذم من عطّل عقله واكتفى بالتقليد: “بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون”، وتارةً يبيّن أن أصحاب العقول هم المهتدون: “إنما يتذكر أولو الألباب”.
وفوق ذلك، فقد تكررت في القرآن عبارة “أفلا تعقلون” ثلاث عشرة مرة!
غير أن هذه النعمة التي مُنحها البشر لم تمنح لهم على السواء، بل هم متفاوتون فيها تفاوتًا كبيرًا جدًا.
دعاني للكتابة مقطع لطيف وظريف وصلني على الواتس من أحد الزملاء من أصحاب المعالي من محاضرةٍ له في أحد المنتديات، كانت بعنوان: “إدارة التغيير”. تحدث الزميل في هذا المقطع عن أقسام العقول.
ذكر معاليه أن العقول على ثلاثة أقسام:
• عقول عظيمة وهي التي تناقش الأفكار.
• عقول متوسطة وهي التي تناقش الأحداث.
• عقول صغيرة وهي التي تناقش الأشخاص.
وعلى الإنسان أن يحرص أولاً على أن يسلك مسالك ذوي العقول العظيمة، وينأى بنفسه عن العقول الصغيرة.
وعليه كذلك أن يحترم أصحاب العقول العظيمة، فلا يضيق بنقدهم ونقاشهم، وفي المقابل، عليه ألا يشغل نفسه بأصحاب العقول الصغيرة؛ لأنهم دائماً يقتاتون على نجاح الناجحين.
وهذه الإشارات من الدكتور العثمان ثمينة جداً، لأن بعض الناس اليوم على طرفين كلاهما مخطئ:
• فمنهم من لا يقبل نقدًا، ولا نقاشًا، ولا مراجعةً، ويعتبر كل شيء من هذا القبيل عدوانًا، ولو جاءه من عقل متوقد مشغول بالأفكار والمبادئ والقيم، وفرق ما بين الصواب والخطأ.
• ومنهم، في المقابل، من يشغل نفسه بكل نقد، ويهتم لكل كلمة، ويشغل نفسه بكل صوت، ولو كان من عقل صغير لا هم له سوى تتبع الأشخاص والتشغيب على أعمالهم وإنجازاتهم.
والصحيح أن يكون الإنسان صاحب عقل عظيم، ويحترم كذلك ما تقوله العقول العظيمة.