المقالات

اتفاقية الطائف واغتيال لبنان

غرق لبنان في حرب أهلية وصراع طائفي طويل مرير بدأ عام 1975 واستمر لخمسة عشر عامًا، أحرقت الأخضر واليابس، وازدادت وتيرة العنف والانقسامات الحادة، حيث قاتلت مجموعات مسلحة مكونة من الجماعات الطائفية المختلفة، بما في ذلك الفصائل المسيحية والإسلامية واليسارية والقوميين الفلسطينيين، مدعومة من قوى إقليمية ودولية، مما أدى إلى انهيار النظام السياسي بالكامل وتفكك الجيش، وتشكلت ميليشيات مسلحة قسمت لبنان إلى مناطق سيطرة عسكرية وسياسية متفرقة. نتج عن ذلك تدمير البنية التحتية، وتهجير مئات الآلاف من اللبنانيين، وانهيار الاقتصاد، وعم الفساد الذي دمر البلاد وأرهب العباد.

أصبح من الضروري إيجاد حل سياسي شامل لوقف الانهيار وإعادة بناء الدولة. زادت الضغوط العربية والدولية، خاصة بعد المجازر، مما دفع إلى إطلاق مبادرة عربية لتحقيق تسوية سلمية. فجاءت اتفاقية الطائف تحت رعاية المملكة العربية السعودية بهدف التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة اللبنانية. الاتفاقية كانت مهمة في إنهاء الحروب في لبنان، لكنها لم تكن كافية لحل كافة مشكلات البلاد. فقد ركزت على النظام السياسي المستقبلي اللبناني، وتقاسم السلطة بين الطوائف، والعلاقات اللبنانية السورية، والوجود العسكري الأجنبي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بين الطوائف الرئيسية: المسيحية، والسنة، والشيعة والدروز. تم توزيع المناصب القيادية بحيث أصبحت رئاسة الجمهورية للمسيحي الماروني، ورئاسة الوزراء للمسلم السني، ورئاسة البرلمان للمسلم الشيعي، كما نصت الاتفاقية على التوزيع المتساوي في مقاعد البرلمان بين المسيحيين والمسلمين.

تعتبر اتفاقية الطائف المرجع الأساسي للنظام السياسي اللبناني الحالي، ونصت على حل جميع الميليشيات اللبنانية وإعادة بناء الجيش اللبناني كقوة عسكرية وحيدة تمثل الدولة. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ الاتفاقية بشكل كامل فيما يتعلق بنزع السلاح، حيث بقي حزب الله كقوة مسلحة، مما أثر على التوازن الداخلي في البلاد. بعد فترة، أصبح الحزب مسيطرًا على لبنان كليًا، وأصبحت الحكومة اللبنانية مهمشة، داخليًا وخارجيًا، وبلا سيادة.

الوضع الحالي في لبنان معقد بشكل كبير نتيجة سيطرة حزب الله ونفوذ إيران في البلاد. حزب الله، الذي يعد قوة عسكرية وسياسية بارزة، يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني، ويشكل جزءًا من تحالف إقليمي بقيادة إيران يعرف بـ”محور المقاومة”، الذي يضم أيضًا سوريا وميليشيات شيعية في المنطقة.

على الرغم من الاحتجاجات المتفرقة ضد الغلاء وتدهور الأوضاع المعيشية، إلا أن هذه التحركات لم تصل إلى مستوى ثورة شاملة. وظل الاستياء الشعبي مستمر، وقد يتصاعد إذا استمرت الحكومة الحالية في فشلها في معالجة الأزمات، خصوصًا مع تفاقم التضخم وانهيار العملة نتيجة لتحكم إيران في مفاصل الدولة.

إيران وقيادتها لا تهتم باستقرار وازدهار لبنان، بل تعتبر حزب الله أداة استراتيجية لمواجهة إسرائيل، حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير البلاد وتجويع العباد وإبعاده عن الحضن العربي. هذا يضع لبنان في مركز الصراع الإقليمي، مما يزيد من احتمالية حدوث تصعيد عسكري واسع مع الكيان الصهيوني.

في ظل هذه الظروف الصعبة وتدمير الجنوب وتهجير ما يقارب المليون والنصف بعد اغتيال حسن نصر الله وقياداته من قبل جيش الكيان الصهيوني المتوغل داخل لبنان، تظل احتمالات الاحتجاجات مفتوحة، حيث أن الشعب اللبناني يعاني منذ تبعيته لإيران من أوضاع كارثية تشمل أزمة اقتصادية حادة، وانهيار العملة الوطنية، تفشي البطالة، وانهيار الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والرعاية الصحية. إذا لم يتم التوصل إلى حلول حقيقية لتحسين الأوضاع، فقد نشهد ثورة شاملة قادرة على إحداث تغيير سياسي جذري.

باختصار، سيطرة إيران ودعمها لحزب الله يعمق أزمات لبنان الداخلية والخارجية ويسلبه سيادته، ويضعه في قلب التوترات الإقليمية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في البلاد.

ومضة:
إيران الصفوية لم تدخل قرية إلا دمرتها تدميرًا، في الأحواز لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة.

{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر}.

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى