إن أعظم تحول في التاريخ الإنساني، ذلك الذي حدث في نهاية القرن الحادي والعشرين الميلادي؛ وتجلى ذلك في التغيرات الجذرية الهامة التي طرحت العديد من التحديات والفرص، فضلاً عن تعاظم أهمية المعرفة، والتي تعتبر التكنولوجيا أحد أدواتها الرئيسية في الاقتصاد، حتى أصبحت سمة اقتصاد القرن الحادي والعشرين هي الاقتصاد المبني على المعرفة (Knowledge Economy)، والذي هو أحد قطاعات الاقتصاد الذي يعتمد على سهولة الوصول للمعلومات، بدلاً من استخدام وسائل الإنتاج، إنه نظام يعتمد علي رأس المال الفكري للإنسان، بدلاً من المدخلات المادية، وبه تصبح تكاليف العمالة، وندرة الموارد الطبيعية وغيرها، من المفاهيم الاقتصادية التقليدية.
كان من نتيجته ظهور مجتمع جديد يختلف تماماً عما سبقه من مجتمعات، مجتمع يعتمد على تطور العلوم وتحول المعرفة إلى عنصر الإنتاج الرئيسي وظهور التكنولوجيا الراقية المنتجة لسلعٍ ذات محتوى معرفي عالي التطوير، مجتمع يتمتع بمستوى عالٍ من الإدارة والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، مجتمع يشهد تغيرات بنيوية جوهرية تشكل في مجملها الأساس لتكوُّن الاقتصاد الجديد الذي يتطوَّر بوتائر متسارعة في مواجهة الاقتصاد التقليدي.
إن المعرفة بحد ذاتها ليست بالأمر الجديد، بل إن مسار تطور المجتمع البشري على مر العصور، ارتبط على الدوام بتطور معارف الإنسان، فالمعرفة رافقت الإنسان منذ أن تفتح وعيه، وارتقت معه؛ من مستوياتها البدائية، وتطورت إلى أن وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في قرننا الحالي.
وعلى مدار التاريخ الإنساني فإن كل مجتمع امتلك في كل حقبة زمنية من فترات تطوره وتقدمه، مستواً معينًا من المعرفة، بحيث يمكن القول، إنها كانت في الواقع انعكاسًا لتطور المعرفة المرتبطة بمختلف جوانب حياته في تلك المرحلة.
فقد كان اكتشاف النار على سبيل المثال من قبل الإنسان القديم محطة “معرفية” عظيمة، حققت قفزة هائلة في تطور الإنسان القديم في تلك المرحلة، ثم جاء بعدها ابتكار المحراث ليشكل دفعًا عظيمًا للإنتاجية في المجتمع الزراعي.
أما اكتشاف الطاقة البخارية فكان بمثابة الخطوة الأولى الحاسمة لبداية ما سمى بالثورات الصناعية المتتابعة وما رافقها وتلاها من ابداعات واختراعات وابتكارات. بيد أن الجديد في عال، اليوم هو المستويات التي لا مثيل لها في تطور تلك المعرفة وحجم تأثيرها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي تبدل نمط حياة الإنسان المعاصر على وجه العموم، وفي تغير طبيعة الإنتاج والاستهلاك.
إن العقل الإنساني من حيث المبدأ خلاق، مبدع، متطور، لا يتوقف؛ إنه يعطي بغير حدود، وقادر على صنع المعجز، وتحويلها لمنجز إنساني، وإحداث التحولات الحياتية، وصناعة المفاصل التاريخية.
قال تعالى في الآية 85 من سورة الإسراء:” وما أُوتيتم من العلم إلا قليلا”.