حوارات خاصة

العميد صالح ابو راس : “الأدلة الجنائية” مهمة لحسم القضايا الشائكة.. والمرأة أثبتت قدرتها على تحمل مسؤولية أمن البلاد

الباحة  تواصل “مكة” الإلكترونية سلسلة “مواقف ومذكرات أمنية”، حيث تستضيف في الحلقة السادسة عشر، في لقاء حصري مع العميد المتقاعد صالح سعيد أبو راس، مدير إدارة الأدلة الجنائية بمنطقة الرياض سابقًا، نسلط الضوء على مسيرة مهنية حافلة امتدت لعقود في خدمة الأمن الجنائي، حيث قاد خلالها جهودًا مهمة في تطوير الأدلة الجنائية ومواكبة أحدث التقنيات في هذا المجال الحيوي. يشاركنا العميد أبو راس تجاربه ورؤيته حول التحديات التي واجهها، وقيمته المضافة في تعزيز العدالة عبر علم الأدلة الجنائية، مع التطرق إلى أبرز المحطات التي شكلت مسيرته المهنية المميزة.التي تقترب من ثلاثة عقود.

– عرّف القراء بنفسك؟
أنا صالح بن سعيد بن أحمد أبوراس، من مواليد قرية الغشامرة ببني ظبيان في عام 1381 هـ، وكانت النشأة والطفولة في نفس القرية في كنف والدي الشيخ سعيد بن أحمد أبوراس -رحمه الله-، حيث كان والدي في البيت، ومدير مدرستي في المرحلة الابتدائية، حتى توفاه الله قبل إكمالي للمرحلة الثانوية، وتولَّت تربيتي والدتي مع إخوتي الكبار أحمد وعبد الله وعلي ومحمد أطال الله في أعمارهم جميعًا، في بيئة أسرية تعمُّها مشاعر الإخوة والاهتمام والحرص على التعليم إكمالًا لمسيرة الوالد الذي كان أحد أعلام التعليم في منطقة الباحة في ذلك الوقت.

– أين تلقيت تعليمك في جميع مراحلك الدراسية؟
تلقيت تعليمي بين منطقة الباحة والرياض والولايات المتحدة الأمريكية، حيث درست الابتدائية في ابتدائية بني محمد بالعطاردة، وأكملت المرحلة المتوسطة في متوسطة النجاح بعراء، ومن ثم الثانوية في ثانوية السروات بالظفير، أما الجامعة فقد بدأت لفترة قصيرة في جامعة الملك سعود ثم ابتعثت الى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على البكالورويس في المختبرات الجنائية، ومن ثم حصلت على الدبلوم العالي في التحقيق والأدلة الجنائية من جامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض، كما التحقت وحضرت العديد من الدورات والندوات الأمنية والتخصصة داخل المملكة وخارجها أثناء فترة العمل.

– لماذا اتجهت للسلك العسكري دون غيره؟
الحقيقة أن اتجاهي للقطاع العسكري كان نابعًا من شغفي بتخصص الأدلة الجنائية من منظور علمي بحت، لذا كان من الضروري والبديهي توجيه هذا العلم لخدمة الوطن كرجل أمن، يؤدي دورًا في تحقيق العدالة عبر هذا التخصص الدقيق، والذي كان نادرًا ومطلوبًا في المملكة حين تم ابتعاثنا لدراسته.

– أين قضيت خدمتك العسكرية من بعد تخرجك من الكلية حتى تقاعدك؟
قضيت خدمتي العسكرية في نفس مجال تخصصي ألا وهو الأدلة الجنائية، حيث عملت في المختبرات الجنائية بالرياض في مختلف المواقع حتى أصبحت مديرًا لها، ومن ثم عملت مديرًا لإدارة الجنائية بمنطقة القصيم، واختتمت مسيرتي العملية مديرًا للأدلة الجنائية بمنطقة الرياض.

– عملت في العديد من المواقع وتوليت العديد من المهام والمسؤوليات.. ماذا تعني لك هذه المراحل؟ وما الذي اكتسبته من كل مرحلة؟
حينما بدأت عملي كمختص كيميائي في المختبرات الجنائية، كان كل همي هو تطبيق الطرق الحديثة وتطوير آلية العمل وأدوات الفحص والاختبار في قسم الكيمياء الجنائية، من أجل الحصول على أفضل النتائج وأدقها، وبعد أن تسلمت زمام الإدارة في المختبرات الجنائية كان جل اهتمامي هو الرقي بها إلى مصاف العالمية في كافة الفحوص الكيميائية والبيولوجية والطب شرعية، والاستفادة من الدعم السخي واللامحدود من أجل توطين كافة هذه الفحوصات وفقًا لأعلى المعايير الدولية، وبعدها كان الانتقال لإدارة الأدلة الجنائية بمنطقة القصيم، حيث اتسع نطاق التخصص، وبذات الوقت زادت المعرفة خصوصًا الإدارية فيما يخص بقية تخصصات الأدلة الجنائية من تحقيق شخصية وتزييف وتزوير وأسلحة وآثار آلات ومعاينة وغيرها، ولكن كبرت المسؤولية، حيث كان دوري وهدفي هو تطوير إدارة الأدلة الجنائية في منطقة القصيم في كافة تخصصاتها لتكون مثالية وتقدم كافة الخدمات للمواطنين والأجهزة الأمنية في منطقة القصيم، دون الحاجة للرجوع للإدارة العامة للأدلة الجنائية إلا في أضيق الحدود، وهو -بحمد الله وتوفيقه- ما تم تحقيقه في فترة وجيزة وتوجَّ بزيارة صاحب السمو الملكي أمير المنطقة في حينها، وصاحب السمو الملكي نائبه، لتفقد الإدارة والاطلاع على ما تم تطويره وتحديثه فيها بجهود زملائي وإخواني في الأدلة الجنائية، ثم أتت المرحلة الأخيرة في سنوات عملي في الأدلة الجنائية بإدارة الأدلة الجنائية بمنطقة الرياض، حيث كانت مرحلة زاد فيها حجم المسؤولية نظرًا لاتساع رقعة الرياض جغرافيًا، لا سيما مع وجود العاصمة فيها، وهو ما كان يحتِّم على أي مسؤول أن يرقى بإدارته لتوازي طموحات ولاة الأمر بما يخططونه لهذه المدينة العظيمة وبقية المناطق، فكان حجم العمل أكبر بكثير عن المراحل السابقة، وحقيقة بمؤازرة الزملاء والزميلات في هذه الإدارة، استطعنا أن نؤدي كافة الأعمال وعلى مستوى المنطقة وليس العاصمة فقط، بكل كفاءة واقتدار، وواصلنا الليل بالنهار من أجل تحقيق كافة الطموحات الأمنية المنوطة بالأدلة الجنائية كمعاون أساسي ودليل إثبات أو نفي في الكثير من القضايا والمجالات المختلفة.

– اتصف عملك بكونه “جنائي بحت”.. ماذا كان يعني لك العمل الجنائي؟
عمل الأدلة الجنائية يضم تحت مظلته العديد من المجالات، وخصوصا في المختبرات الجنائية، حيث يتعلق جزء كبير منه بالقضايا والمجالات الجنائية، فيما يختص الجزء الآخر بتقديم العديد من الخدمات لأغراض وجهات لا علاقة لها بالعمل الجنائي، مثل إثبات الأبوة في كثير من القضايا غير الجنائية أو تحديد هوية المفقودين، كما كنا نقوم بالعديد من الأبحاث والفحوصات لجهات علمية غير جنائية والتعاون مع جامعات ومستشفيات وهيئات علمية دون أي طابع جنائي.

– البعض يعتقد أن عمل الأدلة الجنائية عبارة عن نقل بصمات وتصوير فقط.. هل تذكر لنا ما تضمه الأدلة الجنائية من أقسام؟
هذا اعتقاد غير صحيح، الأدلة الجنائية تضم العديد من الإدارات والتخصصات والشعب والأقسام، فهي تضم المختبرات الجنائية التي تقوم بالفحوص الكيميائية والبيولوجية وأعمال الطب الشرعي، وكذلك إدارات المعاينة المختصة بمعاينة مختلف الحوادث من جنائية وغيرها ورفع التقارير الفنية، كما أن هناك إدارة الأسلحة وآثار الآلات، وهي تختص بفحوصات الأسلحة النارية والمقذوفات، وكذلك آثار الآلات، ولا ننسى أيضًا إدارات أبحاث التزييف والتزوير وما لها من أهمية بالغة، كما لا يفوتنا ما صاحب التقنية والمعلومات من جرائم تقنية ومعلوماتية، والأدلة الجنائية لديها إدارات متخصصة في الجرائم المعلوماتية وجرائم الحاسب الآلي.

– ماهي أنواع الأدلة الجنائية؟
لا يمكن حصر الأدلة الجنائية في تقسيم معين، ولكن يمكن القول بأن هناك أدلة مادية مثل بصمات الأصابع، وأدلة معنوية تستنبط من الواقعة ذاتها، كما يمكن تقسيمها إلى دليل مباشر ينصب على ذات الواقعة مثل عينات الطلاء في الحوادث المرورية، وأدلة غير مباشرة أو ظرفية مثل حالات الطريق عند وقوع الحادث، وهناك من قسمها إلى دليل مادي ومعنوي ونفسي، ولكن الأدلة الجنائية العلمية البحتة التي تخصصت فيها تعنى بما هو مادي سواء تم إدراكه بالحواس الخمس أو تم استخدام أجهزة أو تقنيات معينة لإدراك وجود هذا الدليل، ومن ثم فحصه بالطرق والوسائل المختلفة لإثبات أو نفي علاقة هذا الدليل بالواقعة، أما الأدلة غير المادية الحسية والمعنوية منها فغالبا يهتم بها المحققون والقضاة.

– متى تتكون البصمات في الإنسان؟ وهل تتأثر بعوامل السن والعوامل الأخرى؟
تتكون في الشهر الرابع، وتظل ثابتة ومميزة طوال حياته، والبصمات هي تسجيل للتعرّجات التي تنشأ من التحام طبقة الأدمة مع البشرة، وتختلف هذه التعرجات من شخص لآخر، فلا تتوافق ولا تتطابق أبداً بين شخصين، غير أنها تتأثر ببعض العوامل مثل طبيعة العمل، خصوصا الأعمال التي تتطلب ملامسة اليد لأسطح خشنة باستمرار، إلا أنها لا تختفي تمامًا أو تزول، وهناك عدد قليل جدا ونادر من البشر لا يوجد لديهم هذه البصمات، نظرا لحدوث طفرة جينية على الكرموزوم الرابع.

– وكيف يتم التعامل مع هذه الفئة النادرة لأخذ بصماتهم ؟
لا تؤخذ بصماتهم، وإنما يعتمد في إثبات هويتهم على وسائل أخرى مثل DNA.

– نسمع مصطلح “البصمة المدممة” ما المقصود به؟ وأيهما أقوى دليلاً “المدممة” أو “العادية”؟
البصمة المدممة هي التي انطبعت وقت وجود دم على الأصبع، ولا تفرق شيئا عن البصمة العادية إلا في طريقة معالجتها، و”المدممة” فيها ميزة أنها تعد دليلين في دليل واحد، فالدماء دليل سواء كانت دماء الجاني أو المجني عليه والبصمة دليل ثاني.

– هل يستطيع خبير الأدلة تحديد اتجاه سير الجاني وهروبه من مسرح الجريمة من خلال قطرات الدم المعثور عليها في المسرح؟ وكيف؟
نعم يستطيع تحديد ذلك في كثير من الحالات، فمن خلال فحص بقع الدم وأشكالها، ومواقعها، وأنماط توزيعها في مسرح الحادث نجد تفسيرًا للأحداث التي تسببت في وجودها، ويرتكز هذا على فكرة أن بقع الدماء هذه وأنماطها هي خصائص للقوى التي نتجت عنها.

– ما هو أغرب أسلوب إجرامي صادفته خلال مسيرتك؟
مر علي في حياتي العملية الكثير من الأساليب الإجرامية، ولكن كي نكون صادقين وواقعيين فبلدنا الحبيبة من البلدان التي تعد معدلات الجريمة فيها قليلة، ولذلك دعنا نقول أنه من النادر أن يمر عليها جرائم احترافية أو جرائم نمطية متكررة، وهذا بفضل الله تعالى ثم بجهود ويقظة رجال الأمن.

– هل الأساليب الإجرامية لها دور في تسهيل كشف هوية الجناة؟ وخاصة الأساليب المتكررة؟
كما أسلفت سابقا فالجرائم النمطية المتكررة قليلة لدينا، ولكن على سبيل المثال التفجيرات التي وقعت في حقبة زمنية في مملكتنا الحبيبة، واستهدفت مجمعات سكنية، كان الأسلوب الإجرامي واضحا أنه من أصحاب الفكر الإرهابي الضال.

– ما هي القضية التي لازالت عالقة في أذهانك حتى الآن؟
القضايا كثيرة وبعضها يعلق في الأذهان لطرافته، فذات يوم انتقلنا لمعاينة حادث حريق في أحد المكاتب ووجود أضرار بسيطة وبعض الحروق البسيطة التي تعرض لها صاحب هذا المكتب، من المعاينة وجمع الأدلة وفحصها كان من الواضح استخدام مواد بترولية مسرعة للاشتعال (جازولين)، حيث قام بسكبه صاحب المكتب في أماكن متفرقة بغية إشعال النيران في المكتب والحصول على تعويض من شركة التأمين، وعندما هم بالخروج رن هاتف المكتب فعاد للرد عليه، وأثناء المكالمة قام بإشعال سيجارة ناسيًا، مما أدى إلى حدوث الحريق أثناء وجوده في المكتب وتضرره.

– “الاعتراف سيد الأدلة” ولكن ربما يأتي دليل يثبت أن ذلك الاعتراف غير صحيح.. هل سبق وصادفت مثل هذه القضايا خلال مسيرتك العملية؟
نعم يحدث ذلك كثيرا وفي كل أرجاء العالم، حتى أن المحقق يتصل على الخبير ويبلغه أن الجاني اعترف ويستعجل انتهاء الفحوص، وحتى في هذه الحالات لا تقل قيمة الأدلة المادية وأهميتها، حيث إنها تثبت صحة اعترافه والوقائع الواردة في هذا الاعتراف من عدمها، اعتمادًا على نتائج فحص هذا الأدلة، كما يستعين بها القاضي حال تراجعه عن اعترافه في المحكمة.

– يظن الكثير أن دور الطبيب الشرعي يقتصر على التشريح فقط.. ما هي مهام ومسؤوليات الطب الشرعي؟
الطب الشرعي فرع من فروع الطب الذي يتعامل مع تطبيق المعرفة الطبية لإثبات الحقائق في القضايا القانونية المدنية أو الجنائية، والتشريح ما هو إلا فحص من الفحوصات التي يجريها الطبيب الشرعي لمعرفة هذه الحقائق لتحديد سبب وزمن الوفاة، ولكنه مفيد جدا في نواحٍ عدة، منها الطب السريري لفحص الإصابات والاعتداءات، والفحص التحليلي لمعرفة آثار السموم والمواد الكيميائية على الجسم والفحوص الجينية، لا سيما في الكوارث والحوادث الكبيرة، وفحوص الأنسجة والفحوص الإشعاعية لتشخيص الإصابات والأمراض.

– ما صحة ما يتم تداوله عن احتفاظ عين القتيل بصورة القاتل؟
هذه معلومة غير صحيحة ولم تثبت علميًا.

– من خلال عملكم في الأدلة عملت معلما لمادة الكيمياء الجنائية.. ما المقصود بـ”الكيمياء الجنائية”؟
الكيمياء الجنائية هي قسم من أقسام المختبرات الجنائية التي تختص بإجراء الفحوص الكيميائية على العينات، من أجل التعرف على وجود مادة معينة مثل مخلفات الإطلاق أو بقايا المواد البترولية المسرعة للاشتعال، أو التعرف على مادة مجهولة لتحديد تركيبها واستخدمها وخواصها، أو مقارنة مادة بأخرى مثل مقارنات عينات الطلاء في الحوادث المرورية، وقد تكون فحوص هذا القسم أو التخصص من المختبرات الجنائية أشبه بالفحوص البحثية وليس الروتينية الثابتة كما في فحوص السموم والمخدرات.

– ما المقصود بالحمض النووي DNA؟ ومتى يتم إجراؤه؟
يَعمل تحليل “دي إن أي DNA“-ويسمى أيضا تحليل “البصمة الجينية دي ان اي fingerprinting- عن طريق التعرف على الشخص بخصائص الحمض النووي الخاصة به، فهناك بصمة جينية لحمض “دي ان اي” (نمط وتركيب معين له) خاصة بكل شخص من الأشخاص، وهذه البصمة عبارة عن سلسلة صغيرة من الجينات (الشفرات الوراثية) تختلف من شخص لأخر ولكون هذا التسلسل الجيني مميز للشخص فقد تمت تسميته بالبصمة، كبصمات الأصابع التي تكون مميزة للشخص ولا تتكرر إلا في التوائم المطابقة، أما استخدامه فهو دليل وليس قرينة فقط، فالإثبات والنفي في العديد من القضايا مثل إثبات النسب، والتعرف على الجثث والأشلاء المجهولة، وفي ربط أثر معين يحتوي على الدي إن أي بشخص ما او نفيه .

– لماذا يتم بعث الأسلحة النارية والمقاذيف والظروف الفارغة في قضايا الإطلاق إلى الأدلة الجنائية؟
الأسلحة النارية عندما يتم إطلاق طلقة منها تمر في سبطانة السلاح، ويحدث على سطحها ما يسمي بالسدود والخدود جراء احتكاكها بالسبطانة، وهذه الآثار تكاد تكون مثل البصمة في تحديد هوية السلاح الذي خرج منه هذا المقذوف، وكذلك فحص اَثار انزلاق وكشط المقذوف، أما الظروف الفارغة تعطي فكره عن نوعية السلاح المستخدم والآثار التي يحدثها طارق السلاح أو ما يسمي بإبرة الإطلاق عند طرق الإبرة للكبسولة، التي توجد بقاعدة الظرف وتتشكل على الكبسولة اَثار الإبرة، ويختلف أثر كل إبرة تمام الاختلاف عن أثر إبرة أخرى، وقد يوجد تشابه، ولكن لا يوجد تطابق.

– لا بد أنك نلت شرف المشاركة في مهمة الحج.. اذكر لنا أبرز ما يُصادفه رجال الأدلة من مواقف في مثل هذه المواسم؟
منذ فجر تأسيسها وحتى يومنا هذا، سخَّرت المملكة الإمكانات والطاقات لخدمة ضيوف بيت الرحمن، ولضمان إتمامهم فرائضهم بيسر وسهولة وفي أمن وأمان، وقد حظينا كما تفضلتم- بشرف المشاركة في الجهود الأمنية بموسم الحج لسنين عديدة، تخللها الكثير من التجارب التي لا تنسى، وأبرز ما كان يواجهنا في الأدلة الجنائية أنه نظرا للازدحام المروري الشديد في المشاعر المقدسة وهذا أمر طبيعي نظرا لثبات حجم المكان ومحدودية الزمان لأداء النسك، ولكن الأدلة الجنائية تحتاج إلى سرعة الانتقال لمكان الحوادث، فكنا نتنقل مشيا أحيانا وبالدراجات النارية بعض المرات، كما أن الكثافة البشرية تضعك أمام تحدي صعب جدا في معاينة الموقع المراد، ولكن بتوفيق الله وتعاون الجميع والحجاج كانت مهماتنا تتم على أكمل وجه.

– كيف ترى الفرق في الإمكانات التي تقدمها الدولة -أيدها الله- في أول مشاركة لك في مواسم الحج وفي وقتنا الحاضر؟
الفرق كبير جدا وشاسع جدا، فالدولة ومنذ تأسيسها سخرت كافة الإمكانيات لخدمة البيتين وقاصديهما من حاجين ومعتمرين وزائرين، وأستطيع القول بكل ثقة بأن الجهود المبذولة في كل عام تكون أكثر تطورا وتقدما من العام الذي يسبقه، حيث إن الخطط المعدة تتم بتكامل عالي بين الجهات، مع مواكبة للمستجدات الأمنية والصحية، والاستفادة المثلى من كافة الإمكانات المتوفرة، وخصوصا الاتصالات الحديثة والتقنيات المتطورة.

– ماذا تعلمت من السنوات الطويلة التي قضيتها في الأدلة الجنائية؟
تعلمت الكثير والكثير من العمل بهذا المجال، وكان أهمها عدم التسرع في الحكم على الاشياء بظاهرها والتريث حتى التثبت والتحقق من الأمر، كما تعلمت الصبر، فكنا نعيد بعض العينات عشرات المرات من أجل التوصل إلى نتيجة أو التأكد من نتيجة ما.

– كيف ترى من يتعامل بالغلظة والشدة مع مرؤوسيه؟
في مواقع القيادة في القطاع العسكري -تحديدًا- تكون الشدة في غير تشدد أو قسوة مطلب ضروري من أجل تحقيق أكبر قدر من الانضباط، وفي ذات الوقت اللين في غير تهاون يعتبر مطلبًا أساسيًا، حيث إن اللين والرفق له أيضا فوائده وأوقاته، والقطاع العسكري وخصوصا الأمني منه يستوجب اتخاذ قرارات حازمة وحاسمة في الكثير من الأوقات، ولكن بوجهة نظري يبقى الأهم من هذاك وذاك هو العدل في التعامل مع جميع المرؤوسين وشحذ هممهم لتحقيق المطلوب من الجميع بأعلى كفاءة.

– بماذا خرج العميد صالح من خدمته العسكرية؟
الحمد لله خرجت من خدمتي العسكرية بفوائد لا تعد ولا تحصى، ومن أهمها الصبر، الانضباط في كافة الأمور، القدرة على تحمل المصاعب البدنية والنفسية وفي أسوأ الظروف، كما خرجت برصيد هائل من الخبرات الفنية والإدارية والأمنية، ورصيد من الزملاء والمعارف الذين لا أزال على تواصل ورفقة معهم حتى اليوم.

– عملت نهاية خدمتك العسكرية مديرُا للأدلة الجنائية بشرطة منطقة الرياض ماذا تعني هذه الفترة؟
أحمد الله وأشكره أن عملي في شرطة منطقة الرياض أتى بعد أن اكتسبت كافة المهارات الإدارية والفنية، فالعمل في العاصمة الحبيبة ومناطق الرياض يحتاج إلى جهد مضاعف وتناغم سريع مع كافة القطاعات، نظرا لحجم العمل الكبير جدا ومساحة المنطقة الجغرافية والكثافة البشرية في مدينة الرياض ذاتها، لا سيما أن الرياض مدينة وعاصمة عصرية تتطور بسرعة مذهلة، وهذه السرعة يواكبها تحديات جمة في كل المجالات بما في ذلك المجال الأمني، وكل هذا يضع المسؤول تحت الضغط على مدار الساعة، وبتوفيق من الله له الحمد والشكر استطعت من موقعي كمدير لإدارة الأدلة الجنائية بمنطقة الرياض من إنجاز كل ما هو مطلوب من إدارتنا بكل دقة واقتدار، وطورنا فيها الكثير كما وكيفا، وفي ذلك يعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالى إلى عملي بجانب كوكبة من الضباط والأفراد والموظفين والموظفات الذين كان جل اهتمامهم هو خدمة الأمن في هذا البلد المعطاء على الوجه الأكمل.

– في ظل رؤية 2030 تم تمكين المرأة من خوض غمار العمل العسكري.. كيف ترى هذه النقلة؟
شهدت المملكة بطموحات قيادتنا الرشيدة في السنوات الأخيرة تحولات جذرية في مختلف المجالات ومنها مجال تمكين المرأة، بما في ذلك إشراكها في القطاع الأمني، وإشراك المرأة في هذا المجال الحساس يعكس رؤية المملكة لتعزيز دور المرأة في المجتمع وتوظيف قدراتها في خدمة الوطن، وقد شهدنا فتح المجال أمام المرأة للالتحاق بصفوف القوات الأمنية المختلفة، وتقلد العديد منهن مناصب قيادية وأثبتن كفاءتهن وقدرتهن على المشاركة في حمل مسؤولية أمن البلاد، وللعلم الأدلة الجنائية من أول القطاعات التي كانت المرأة وما زالت تقوم بدور أساسي فيها.

– ما الموقف الذي لازال عالقًا في ذاكرتك؟
من أكثر المواقف التي لازالت راسخة في ذاكرتي إلى هذه اللحظة، هو موقف حصل بعد التفجير الآثم الذي وقع بجوار مقر الأمن العام في شارع الوشم، وأثناء المعاينة ورفع الأدلة من الموقع ورغم خطورة الوضع والظروف المحيطة حضر مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (أمير منطقة الرياض آنذاك) لتفقد الموقع وكان أحد الزملاء قد وجد علم المملكة وعليه بعض الدماء فقام بتقديمه للملك المفدى الذي بدوره أخذ العلم منه وقبله وقال (بلادنا وعلم التوحيد يحمونها ويفدونها أبنائها بأرواحهم ودمائهم).

– كيف يرى العميد صالح النقد الإعلامي؟
النقد في الاعلام وغيره مطلب ضروري إذا كان في غير قدح ومن أجل الفائدة، فالمؤمن مرآة أخيه، وقد جاء في الحكم “رَحِمَ الله امرَأً أهدى إلي عيوبي”، ولكن مع شديد الأسف نجد ان النقد يتجاوز الحدود في كثير من الحالات ويتم شخصنة المواضيع مما يجعله يخرج عن النطاق الموجود من اجله.

– بعد أن حلقت بنا في أجواء العمل الأمني كيف تقضي برنامجك اليومي بعد مسيرة 29 عامًا من العطاء؟
الحياة مراحل ويجب على الإنسان أن يكون مستعدا لكل مرحلة بما يناسبها، فأنا ولله الحمد أقضي أوقاتي بإنجاز بعض الأعمال الخاصة، والاهتمام بالأسرة وإن كانوا هم من يهتم بنا حاليًا حفظهم الله، والالتقاء ببعض الأقارب والأصدقاء من فترة لفترة، والأهم من ذلك كله وهو ما طبقته بعد التقاعد بان أكون مستعدّاً لتقبّل التّغيير وتجربة أشياءٍ جديدةٍ قبل أن التزم بأي خطة معينة، وأن يكون هذا التّقاعد مرحلةً سعيدةً ومريحةً مليئةً بالرضا الشّخصيّ والقناعة بعيدًا عن أي التزامات مقيدة في هذه المرحلة العمرية.

– بماذا تريد أن تختم هذا اللقاء؟
اختمه بحمد الله وشكره ثم الشكر لمن أعد هذا اللقاء والشكر موصول للقارئ الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى