“لا تزر وازرة وزر أخرى”؛ لأن القاعدة هي أن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى، ولا يمكن أن يحمل ذنب غيره. يُروى أن “الحجاج بن يوسف الثقفي” جيء له يوماً برجل أذنب شقيقه وليس هو، فبحثوا عنه، وبحثت شرطة الحجاج عنه فلم يجدوه، فوجدوا أخاه، وكان القاضي قد حكم عليه أن يُودع السجن، وأن يُمنع من السفر، وأن تُهدم داره، فجاءوا إلى أخيه فما وجدوه، وجدوا أخاه ففعلوا به، محوه من سجل السفر، وهدموا داره، وساقوه يريدون به السجن، فإذا به يمر على “الحجاج” فيناديه: “أغثني أيها الأمير، لقد فعلوا بي كذا وكذا”، فقال له الحجاج: “أنت تستحق هذا”، قال: “كيف يا سيدي الأمير، وأنا لست الجاني، هذا أخي هو الذي قام بفعل هذه الفعلة، ما فعلتها أنا”، فرد عليه الحجاج قائلاً: “هيهات هيهات، أما سمعت الشاعر ‘كعب بن عمرو التميمي’ يقول:
جانيك من يجني عليك وربما
تُعدي الصحاحُ مباركُ الجربِ
ولربّ مأخوذٍ بذنبِ عشيرةٍ
ونجا المقارفُ صاحبُ الذنبِ
قال له: الجرب يُعدي الصحاح، فالإبل إذا بركت في مكان الجرب نقل إليها الجرب، فأنت قد عداك جرب أخيك، وكأنما قيل له جيء بمن لم يذنب، ونجا من الفعلة المذنب”، قال له: “هذا الشاعر يقول هذا، فأنت تستحق هذا.”
قال الرجل: “أصلح الله الأمير، لكن الله عز وجل في قرآنه ما قال هذا”، قال الحجاج له: “وماذا قال الله سبحانه؟” فرد الرجل: “قال الله على لسان إخوة يوسف: يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين، قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون (سورة يوسف). قال العزيز: ‘معاذ الله أن نأخذ واحداً لم يفعل شيئاً في مكان من فعل، لا يجوز هذا، إنا إذا لظالمون’.”
فقال الحجاج لحاجبه وصاحب شرطته: “أطلقوا الرجل، وأمحوا اسمه من المنع من السفر، وأكرموه، وأعيدوا له بناء داره”، ولينادي منادي بين الناس في السوق: “صدق الله وكذب الشاعر”. هذا رجوع إلى الحق، إلى الفضيلة، فكأنه يقول: لا أحد يُؤخذ بجرم أحد، وتُعد هذه الحادثة من حسنات الحجاج.