في خطوة دبلوماسية تاريخية، أعلنت المملكة العربية السعودية من منبر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية يوم الخميس الموافق 26 سبتمبر 2024م عن إطلاق “التحالف العالمي من أجل إقامة الدولة الفلسطينية”، لتؤكد بذلك التزامها الثابت بالقضية الفلسطينية. يعكس هذا التحرك الجاد الدعم الكبير الذي تقدمه المملكة، بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله -، تجاه حقوق الشعب الفلسطيني وتفعيل الجهود الدولية الرامية لتحقيق حل الدولتين.
تاريخياً، كانت المملكة العربية السعودية من بين الدول الرائدة التي تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتعزز موقفها على الساحة الدولية. واستند هذا الدعم القوي إلى قرارات الشرعية الدولية، وخاصة تلك الصادرة عن الأمم المتحدة، التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وقد دافعت المملكة بلا كلل عن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدودها في الرابع من يونيو 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، ومما دلل على ذلك القرار 242 لعام 1967م الذي ينص على انسحاب الكيان الغاشم من الأراضي المحتلة، والقرار 338 لعام 1973م الذي يؤكد على أهمية تنفيذ القرارات السابقة.
تُعتبر القضية الفلسطينية أولى أولويات سياسات المملكة الخارجية، وقد أكد سيدي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في عدة مناسبات على دعمه المتواصل للشعب الفلسطيني وحقوقه الشرعية. هذا الدعم تجسد في كل الفعاليات والمناسبات الدبلوماسية، حيث يُعد سيدي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من أبرز المدافعين عن حقوق الفلسطينيين. من خلال خطبه ومشاركته في القمم الدولية، أشار الأمير محمد بن سلمان إلى ضرورة تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
علاوة على ذلك، يلعب سيدي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان دورًا محوريًا كداعم رئيسي للمبادرات الدبلوماسية والسياسية التي تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. برؤيته الشاملة للسلام والتنمية في الشرق الأوسط، يعزز الأمير محمد بن سلمان من مكانة المملكة كقوة فعالة قادرة على حشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية. وقد كان له دور بارز في دعم التحالف العالمي الذي أُطلق في الأمم المتحدة، والذي يسعى إلى توحيد الجهود الدولية وتنسيق العمل الدبلوماسي من أجل إقامة الدولة الفلسطينية.
قيام دولة فلسطينية مستقلة والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ليس مجرد فكرة مثالية، بل هو أمر أساسي لتحقيق السلام والأمن في المنطقة. وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن تأسيس تحالف دولي يهدف إلى تحقيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية. هذا التحالف يمثل أداة سياسية هامة لجمع القوى الدولية الداعمة لهذا الحل، والضغط على الكيان الغاشم لتنفيذ القرارات الدولية. وقد أكد الأمير فيصل بن فرحان في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الاجتماع الأول لهذا التحالف سيُعقد في المملكة العربية السعودية في العاصمة الرياض، مما يعكس الدور الريادي الذي تلعبه المملكة في هذا السياق.
هذا الإعلان يُعتبر تأكيدًا على أن المملكة العربية السعودية لن تقتصر على الدعوات والمناشدات، بل ستتخذ خطوات عملية ملموسة من خلال التحالف الدولي الجديد الذي يسعى لتفعيل الحلول السياسية وتوحيد الرؤى الدولية لتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة. إن الاجتماع الأول للتحالف في المملكة يُمثل رسالة قوية على أن السعودية تتبنى دور القيادة في الجهود الدبلوماسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وأنها جادة في سعيها لجعل هذا التحالف إطارًا دوليًا لتسريع تحقيق حل الدولتين.
لطالما كانت قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين هي المرجع الأساسي للسعودية في دعمها للقضية الفلسطينية. بداية من قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947م الذي نص على إنشاء دولتين في فلسطين التاريخية، مروراً بالقرار 242 لعام 1967م، وصولاً إلى القرار 338 لعام 1973م، تظل هذه القرارات دليلاً على حقوق الشعب الفلسطيني ومطالب السعودية الدائمة بتطبيقها. بالإضافة إلى ذلك، فإن مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت عام 2002م تمثل حلاً شاملاً للنزاع، حيث دعت إلى انسحاب الكيان الغاشم من الأراضي المحتلة مقابل تطبيع العلاقات مع الدول العربية.
يُعد التحالف العالمي الذي أطلقته المملكة العربية السعودية بمثابة نقطة تحول هامة في مسار الجهود الدولية المتعلقة بفلسطين. هذا التحالف لا يُعتبر مجرد إطار سياسي، بل هو وسيلة لتوحيد القوى العالمية تحت مظلة واحدة لتحقيق الهدف الأساسي المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية. بفضل هذا التحالف، سيتم تسليط الضوء على القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، كما سيتم تعزيز الضغط الدبلوماسي على الكيان الغاشم للالتزام بالقرارات الدولية التي لطالما تنصل منها.
إضافة إلى ذلك، سيسعى التحالف إلى تحقيق شراكات دولية مع الدول والمنظمات الفاعلة لتعزيز الجهود المبذولة، وتقديم الدعم الاقتصادي والتنموي لفلسطين كجزء من استراتيجيات السلام. هذا الدور المهم سيعزز من الاستقرار الإقليمي، ويؤكد أن السلام لا يتحقق فقط من خلال الحلول السياسية، بل أيضًا من خلال التنمية المستدامة.
من خلال قيادتها لهذا التحالف، تُبرهن المملكة العربية السعودية على أنها ليست فقط داعمة للقضية الفلسطينية، بل هي فاعلة ورائدة في تحريك المجتمع الدولي نحو حل عادل وشامل. سيعمل التحالف على تفعيل كافة الوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية للضغط على الكيان الغاشم وإنهاء ممارساته الاستيطانية والانتهاكات ضد الفلسطينيين.
ختاماً، إطلاق المملكة العربية السعودية للتحالف العالمي من أجل إقامة الدولة الفلسطينية يُعد تحركًا دبلوماسيًا استراتيجيًا يعزز من مكانة المملكة كقوة إقليمية ودولية تسعى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. من خلال هذا التحالف، تُعيد المملكة التأكيد على موقفها الثابت والداعم لحقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة ممارسات الكيان الغاشم، وتُبرهن على دورها القيادي في دفع الجهود الدولية نحو تحقيق حل الدولتين. بفضل القيادة الحكيمة لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله -، ودور وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، تواصل المملكة العربية السعودية دورها الريادي في دعم القضية الفلسطينية والعمل على تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
حفظ الله المملكة وقادتها وشعبها، وأدام عزها ومجدها ووحدتها، وجعلها ذخراً للإسلام والمسلمين.
أستاذ القانون الدولي – جامعة جدة # سياسي – دولي – دبلوماسي