المقالات

بقايا الصيف

بقايا حسنتها الوحيدة أنَّها بقايا، والبقايا إيذانٌ بالرّحيل – وقل عسى أن يكون قريباً- وهي في قانون الرّحيل ساعةُ الصّفو، ولحظةُ انتصار ما نُحبُّ على ما لا نُحبّ، والحمدللّه أنَّها بقايا، فقد هرمنا قبل أن يجتث خصمه أركانه، ويبعثر قدرته، ويحرر سطوته، ويحيله بلا سيفٍ عاملٍ في رقاب الضّعفاء.

نعم هي نزولٌ وارتحال، وإقامةٌ نُدرك ضرورتها، ولكن للنَّفس حظوظها في الكراهية والحُبّ، وما دُمنا لا نملك قدرنا معه فلا بأس أن نحرر دواخلنا في حضوره، وقلوبنا في أقامته، وهذا أسهل طرق التّعبير، وربما نوعٌ من الـ “فضفضة”

الفضفضة ليست من قبيل الاعتراض، بل من قبيل استشراف غريم الصّيف وربما بعض النّكاية بمن يتندر بالشّتاء ويقلل من شأنه.

فالشّتاء لم يفشل يوماً في أن يخلق فينا طبيعته الخاصة، كما لم يفشل من قبل في أن ينزع عنا لباس الضّوضاء التي يُحدثها الصيف، ولم يفشل في أن يُرتّب ما عجز عنه غيره؛ خاصةً في عمقنا الّذي نجهل منه أكثر مما نعرف، ولم يفشل يوماً في أعادة التّوازن لكلِّ من أرَّقه الشّطط وعاث به الميل وخلَّفه الزّحام طريداً حتّى من نفسه.

ربما يراها البعض مبالغة، ولكنَّه سيبقى فسحةَ الفضاء الرّحب من ذلك الضّيق، وعنوانَ البياض لتلك العتمة.

لاح الشّتاء

وهزَّ غصناً جامداً

فكأنَّه

بأكفّه أحياه

وسقاه من كأس الحياة مُداوياً

سقماً أقام وداؤه أعياه

أهلاً

حللت وكلّنا متهللٌ

ببهاك إذ يسمو وما أسماه

فصلٌ حوى الأيام إلا أنَّه

عشقٌ

 تملّك قلب من يهواه.

وبما أنَّه عشقٌ فـ للعشق قصةٌ يظلمها الحديث، ويُضعفها البيان، واللّغة معه رغم جدارتها لن تصل بالشّعور الى مُراده.

حكايتان في الشّتاء لا يملكهما غيره: صوت المطر ورائحته، وهما عنوانان ينتهي بعدهما كلّ الطّموح، وتقف ببابهما كلّ تراتيل الجمال، وأزعم أنَّهما خصيصة الشّتاء الفاتنة وصورته المُثلى في أرواح المُتعبين.

ما شبَّه عاشقٌ محبوبته بأجمل من صوت المطر ورائحته، والآن ندرك لماذا!

ربّما في الشّتاء أخذٌ و رد، ومحبٌّ وكاره، ورغم عظم الخطب في هذا الاختلاف، إلا أنَّها طبيعة الاختيار، واختلاف الأطباع ومذاهبها، وتبقى ملامحه من المطر وحاشيته داعياً لنهاية النّقاش فالجميع مُحبٌّ مُعجبٌ عاشق.

ألا يكفيه (أي الشّتاء) أن يحمل في حقيبته رائحة المطر؟

ختاماً… مداولة الأيام سُنَّة، وقانون التّغيير نعمة، ولولا الصّيف لما حفلنا بالشّتاء، وهذه كلماتُ ترضيةٍ لكلِّ أطراف النّزاع، ويبقى الشّتاء قيمةً فريدةً نتدارس حُبَّها كلٌّ على طريقته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى