المقالات

في اليوم العالمي للقانون: المملكة بيئة تشريعية وقضائية متطورة

يوافق الثالث عشر من سبتمبر من كل عام اليوم العالمي للقانون الذي بدأ الإحتفال به على النطاق العالمي منذ عام 1965م خلال مؤتمر السلام الدولي. ويمثّل هذا اليوم فرصة عالمية لتعزيز الوعي بأهميّة القانون في حياة المجتمعات والدول، بإعتباره ركيزة مهمة لبناء مجتمع يسوده الأمن والعدل والمساواة وتُحفَظ فيه حقوق الإنسان وكرامته، وللتأكيد على ضرورة إحترام القانون كمقياس أساسي لنهضة الدول، ومحرك رئيسي للتطور والإزدهار. كما يمثّل في الوقت نفسه فرصة لتحية القانون وأهله، والتعبير عن الشكر والإمتنان لكل من يعمل على ضمان الإلتزام بمبادئ سيادة القانون وتطبيق أحكامه والتقيد بالأنظمة واللوائح وترسيخ قيم العدل. وبهذه المناسبة يسعدني التوجه بجزيل الشكر والتقدير والإمتنان لمقام مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ورجل القانون الحازم والعادل -حفظهما الله- على دعمهما الدائم واللامحدود لكل ما يسهم في تطوير المنظومة التشريعية في المملكة، إمتداداً واستكمالاً لمسيرة التنمية والإزدهار منذ عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- وأبنائه الملوك البررة، وصولاً إلى هذا العهد الزاهر الذي تشهد فيه المملكة العربية السعودية نهضة تشريعية وقانونية وقضائية تواكب رؤية السعودية الطموحة 2030وتطلعاتها المستقبلية. وفي هذا الإطار يأتي هذا المقال ليسلط الضوء على نهج السعودية القائم على تكريس سيادة القانون ومبادئ المساواة والعدالة وحقوق الإنسان، والإشادة بجهودها وما تحقّق من إنجازات ومكتسبات وطنية في البيئة القانونية بفضل من الله تعالى ثم بالدعم والتوجيه من القيادة الرشيدة، حيث تتصدر المملكة اليوم منطقة الشرق الأوسط في مؤشر سيادة القانون العالمي، وتُعدُّ من الدول الأكثر أماناً وعدلاً على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وممّا لا شك فيه أنّ تطوير القوانين وتحسين منظومة القضاء والعدالة هو أساس تقدّم الأمم والشعوب ونهضتها. ومن هذا المنطلق أولت المملكة بكل مؤسساتها تطوير الأنظمة والتشريعات السعودية إهتماماً بالغاً بما يواكب متطلبات الحياة والتحولات المعاصرة، والمبادئ القانونية والمستجدات في المجال القانوني، وبما يتوافق مع إلتزامات المملكة في المواثيق والإتفاقيات الدولية، ويحقق مستهدفات ورؤية المملكة 2030، التي يقودها ولي العهد رجل القانون في شتى المجالات السياسية والإقتصادية والإستثمارية والإجتماعية، والذي لم يغفل عن دور القانون والقضاء في بناء مستقبل مزدهر، حيث أكّد في كلماته الخالدة أنّ :” ما يمكننا فعله هو تشجيع قوة القانون.”
ولقد شهدت المملكة العربية السعودية نهضة تشريعية شاملة تمثّلت في تطوير البيئة التشريعية والقضائية. فعلى صعيد تطوير الأنظمة التشريعية، فقد تم تبني العديد من القوانين والتشريعات التي تعكس رؤية السعودية في تعزيز سيادة القانون ومبادئ العدالة والمساواة وخاصة منها ما يتعلّق بحقوق الإنسان والمرأة والطفل والأسرة وقوانين العمل ومكافحة الفساد. كما أنّه وتحقيقاً لرؤية المملكة 2030 وتوافقاً مع مكانة المملكة الإقتصادية كقوّة إستثمارية عالمية؛ تم تحديث التشريعات ومراجعة الأنظمة العدلية وتطويرها وذلك بإجراء إعادة هيكلة شاملة للأنظمة واللوائح والتنظيمات التجارية بهدف توفير بيئة استثمارية جاذبة وعادلة تضمن تدفق الاستثمارات ذات القيمة المضافة وتكفل حقوق المستثمرين وتسهم في دفع عجلة الإقتصاد الوطني. وفي هذا الإطار صدر نظام التجارة الإلكترونية، نظام مكافحة التستر، نظام الشركات المهنية، نظام الإمتياز التجاري، نظام الغرف التجارية، نظام الإفلاس، نظام ضمان الحقوق بالأموال المنقولة، نظام مهنة المحاسبة والمراجعة، نظام الشركات التجارية، نظام الاستثمار الأجنبـي والأنظمة الــضريبية. كما عرفت المملكة نقلة نوعية على مستوى التشريع بإصدار أنظمة جديدة تُرسخ لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان وتحقق التنمية الشاملة وهي النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، نظام الأحوال الشخصية، نظام المعاملات المدنية ونظام الاثبات، إلى جانب نظام التكاليف القضائية ونظام التنفيذ أمام ديوان المظالم. كما شملت التعديلات القانونية نظام المحاماة لتطويره نظرا لأهمية المحاماة ودورها في تحقيق العدالة والدفاع عن الحقوق، وذلك بالسماح لمكاتب المحاماة الأجنبية بالعمل في المملكة. بالإضافة إلى عديد التشريعات التي يجري تطويرها في الوقت الراهن.
أما فيما يتعلق بتطوير المنظومة القضائية، فقد عرف نظام القضاء في المملكة تطوّرا من خلال تعديلات مهمة على الأنظمة وإصدار أنظمة جديدة تماشياً مع ما يشهده العالم من تطورات سريعة أبرزها التوجه العالمي للتحول الرقمي في المعاملات فكانت المملكة سباقة في هذا المجال عموماً وعلى مستوى القضاء والتقاضي خصوصاً، وذلك بتبني نظام التقاضي الإلكتروني عبر إطلاق منصة التقاضي الإلكتروني منذ جائحة كورونا متخذة من التحدي فرصة للتطور والإعتماد على التقنيات الحديثة، إضافة إلى العديد من الخدمات العدلية التي يتم إنجازها إلكترونياً. وكان نجاح المملكة في تطبيق التقاضي عن بُعد، وتحويل الإجراءات الإعتيادية الورقية إلى إلكترونية سريعاً وذا أثر كبير ومميّز حيث أحدث نقلة نوعية في مجال القضاء وانعكس ايجاباً على سرعة البت في القضايا المعروضة على المحاكم وتحقيق العدالة الناجزة والشفافية والقضاء على الفساد.
وفي الختام من الضروري التأكيد على أهمية القانون كقيمةٍ حضارية وإنسانية، وكوسيلة لحماية الحقوق وردع الإنتهاكات، وضمان الوفاء بالواجبات، وتنظيم الممارسات والمعاملات الفردية والجماعية، وعلى دوره المحوري في تعزيز مبادئ العدالة والنزاهة والمساوة والشفافية وتحقيق النمو والتنمية المستدامة، ودعم رفاهية المجتمعات واستقرارها وأمنها. ونفخر بجهود المملكة، وهي الدولة التي تسابق الزمن تقدماً وتطوّراً وطموحاً، وبما تحقّق من نهضة تشريعية وقانونية هدفها خدمة الوطن والمواطن وتعزيز ركائز التنمية الوطنية وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين، والإستجابة للتحديات والأزمات التي تواجه الإنسانية في أماكن مختلفة من العالم، والتي رسّخت مكانة المملكة على الساحة العالمية كدولة قانونية ومؤسساتية وكأرض للعدل، والإنصاف وسيادة القانون.

• أستاذ القانون الدولي المشارك
• رئيس قسم القانون العام ووكيل الكلية للتطوير والتنمية المستدامة سابقاً

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button