المقالات

أساتذتي في بيوت الله!!

لا يخفى على أي أحد ينتسب لمجتمع مسلم حرص الأهل على تعلم القرآن في الصغر . ولم يكن المجتمع المكي في أيام سنيي المبكرة غريبًا على هذه الخصلة الكريمة ، فقد كانت أغلب العوائل المكية تحث أبناءها في سن مبكرة في أثناء الإجازة الصيفية على الذهاب لأقرب مسجد والانضمام الى حلقات تحفيظ القرآن-بمقابل مادي يسير – والتي عادةً تبدأ من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء.
ولا يزال خالدًا في ذاكرتي عندما أخذني والدي -رحمه الله- وأنا في الخامسة من عمري لإمام المسجد الذي يقع في شارع سيدنا حمزة بجوار منزلنا والمقابل للسبعة الأبيار. كان إمام المسجد يسمى السيد حمود وهو نفسه الذي كان والدي -رحمه الله-أحد طلابه لتحفيظ القرآن ودراسة اللغة العربية. كان السيد حمود في ذلك الوقت في الثمانين من عمره ولكنه كان صارماً في تدريسه للأطفال، ولا يزال في ذاكرتي عقابه لي في أحد المرات بضربي على قدمي بالعصا لأني لم أحفظ ما طلب مني حفظه من السور القرآنية. وبعد انتقال سكن الوالد الى مدخل دحلة الولاية، قام الوالد -رحمه الله -بتسجيلي في حلقات حفظ القران ودراسة اللغة العربية وبعض مواد العلوم في مدرسة دار السلام التي كان يطلق عليها مدرسة سلامة الله. وكان بها مسجد ملحق بالمدرسة وكانت تقع في زقاق سلامة الله المقابل لمدخل دحلة الرشد.
وأذكر من الذين تتلمذت على أيدهم في هذه المدرسة الأستاذ إبراهيم بن علي سكوة والأستاذ زيني. ومما أذكره من أيام هذه الفترة قيام الأستاذ إبراهيم سكوة بتدريسنا الحساب وحفظ جدول الضرب الصغير من بعد صلاة العصر وبعدها ننتقل للمسجد الملحق لدراسة وحفظ بعض سور القرآن الذي يقوم بتدريسها الأستاذ زيني. وبعد دخولنا الجامعة في مكة المكرمة كنا نقضي أوقاتنا في الحرم المكي الشريف خلال أيام الاختبارات حيث كنا نذاكر قبل الامتحان النهائي في الحرم المكي الشريف من بعد صلاة العصر إلى وقت دخول صلاة العشاء.
ولا يزال في الذاكرة أيضاً ونحن ننتقل من درس لأخر من الدروس التي كان يقوم بإلقائها مشايخ من هيئة كبار العلماء ومن أئمة الحرم المكي كالشيخ عبدالله الخليفي والشيخ محمد السبيل-رحمهم الله- وغيرهم. هؤلاء بعض ممن تتلمذت على أيديهم في بيوت الله ، التي هي منطلق النور والهداية منذ أول مسجد بناه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة النبوية وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فلا شك أن المساجد محاضن للتربية إذا أُحْسِن توظيفها لما هي له دون انحراف أو زيغ وهذا ما يتوافر في مساجدنا في هذا الزمن الذي جعلت دولتنا المباركة للقرآن جمعية تشرف على حلقاته في جميع مساجد المللكة
وفق الله القائمين عليها والمنتسبين لها والمقبلين عليها والله الموفق.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى