المقالات

الكوب الوردي .. والواقع الرمادي

✍️ جمعان البشيري 

في عصرنا هذا، يبدو أن هناك عواصف اجتماعية تأتي وتذهب، وآخرها “الهبة الكبرى” للكوب الوردي من سلسلة مقاهى “هاف مليون”.

جاء هذا الكوب الوردي متزامناً مع شهر أكتوبر وهو شهر التوعية بسرطان الثدي فلنقل أن الكوب تم تصميمه لدعم مرضى السرطان والتوعية بأهمية اكتشاف المرض مبكرًا، لكنه بات فجأة موضوعًا للتنافس الجنوني والسباق المحموم. وهنا، دعنا نتساءل: هل الكوب حقًا وردي أم أن الواقع بات رماديًا؟!

لنأخذ جولة في صفحات الإنترنت لنشاهد مشاهد ملحمية لمزاد علني عجيب، حيث يتسابق الناس لشراء الكوب الوردي بمبالغ خيالية تتجاوز أحيانًا ما يُعادل قسط سيارة..!

المضحك في الأمر أن الفكرة الأصلية للكوب هي التضامن مع مرضى السرطان، وها نحن نجد أنفسنا أمام تساؤلات فلسفية مثل: هل يجب أن أتبرع للجمعية الخيرية مباشرة أم أشتري كوبًا ورديًا بسعر خيالي لأشعر بالإنجاز؟

ومن هنا تبدأ القصة. الكوب، الذي لا يتميز بشيء سوى أنه ..وردي .! لم يُصنع من ذهب ولا مرصع بالألماس، لكنه يحمل رسالة نبيلة، أصبح هدفًا لطبقات المجتمع المختلفة. هناك الشاب الطموح الذي قرر أن يلتقط صورة مع الكوب الوردي ليشاركها في حسابه على “ وسائل التواصل المختلفة”، مرفقًا تعليقًا مفاده: “شكرًا لمقهى ‘هاف مليون’ على دعمكم!”.

نعم، نحن ندعم، لكن … هل الكوب ضروري لهذا الدعم ؟نلاحظ أن أغلب المتسابقين في الحصول على هذا الكوب هم ممن يحبون الظهور الاجتماعي أكثر من حبهم للهدف الإنساني. وبعد أيام من التفاخر بالتصوير مع الكوب، نجد أن الرسالة الحقيقية تضيع في طيات هذا الصخب الاجتماعي. الهدف كان رفع الوعي ودعم المصابين، وليس جعل الكوب رمزًا اجتماعيًا للرفاهية أو الاستثمار.

قد يقول البعض: “لكن ثمن الكوب يذهب لدعم قضية نبيلة..!! “؛ هذا صحيح، ولكن ألم يكن الأجدر بهؤلاء أن يدفعوا تلك الأموال المبالغ فيها عن طريق المواقع من 28 ريال – قيمة الكوب الحقيقية -إلى أكثر من 900 ريال للكوب، بشكل مباشر للجمعيات الخيرية؟

بل أن من يقوم بدفع ذلك المبلغ يستطيع أن يقسم ذلك المبلغ بين عدداً من الجمعيات مابين دعم مرضى الكلى ، وكفالة إيتام ، وإحسان ، وغيرها من الجمعيات الخيرية .

أم أن فعل الخير لا يكتمل إلا حينما يكون مصحوبًا بكوب وردي في اليد؟

وفي الختام، يبدو أن التسابق المحموم للحصول على هذا الكوب هو انعكاس لواقعنا الرمادي اليوم، حيث “الهبات” الاجتماعية تأخذ الأولوية على المبادرات الإنسانية. إنه عصر ” السوشيال ميديا” ، حيث كل شيء يصبح موضة، حتى حينما يكون الهدف هو دعم قضية نبيلة مثل التوعية بسرطان الثدي..!

 قريباً سنرى السوق يعجُ بعدد من الأكواب الملونه الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق والتي تطرح لدعم القضايا الإنسانية ، ولكن الواقع رمادي لا أظن أن لونه سيتغير في وجود من يستغل ذلك لمكاسب أقتصادية شخصية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى