المقالات

حقوق ولاة الأمر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
بداية: نحمد الله تعالى على ما نحن فيه من النعم التي لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم النعم التي نعيشها في هذا البلاد الطيبة هي نعمة الولاية المسلمة المؤمنة الصادقة الناصحة العادلة السلفية التي منّ الله بها وعلى هذا البلد العظيم وهذا الشعب الكريم
لقد امتن الله علينا بحكام وولاة أمر هم أئمة في الدين ؛ وحماة ودعاة للإسلام والمسلمين ؛ بذلوا الغالي والنفيس في خدمة الإسلام والقرآن والحرمين الشريفين ونصرة قضايا المسلمين وبذل الخير والعطاء والإغاثة في العالَمين .
إن ولي الأمر في المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وحكومتهم الرشيدة لهم علينا حقوق شرعية عظيمة يجب علينا مراعاتها :
أولاً: أن نُحذِّر ونحذر الحذر الشديد من غشهم أو الحقد عليهم أو حسدهم أو كراهيتهم أو غلولهم أو غيبتهم أو سبهم أوشتمهم ونحو ذلك من الأقوال والأفعال ؛ فإن ذلك ليس من الإسلام في شيء وإنما هو من أعمال الجاهلين المارقين الخارجين عن الملة والدين.
فالحذر الحذر من سب الولاة ولعنهم وشتمهم والوقيعة فيهم وانتقاص مكانتهم؛ فإن ذلك يجلب شرًا عظيماً وبلاءً مستطيراً، وقد جاء النهي عن ذلك في نصوص كثيرة ، فقد روى ابن أبي عاصم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكَمْ، وَلَا تَغُشُّوهُمْ، وَلَا تُبْغِضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيب”،
وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: إِيَّاكُمْ وَلَعْنَ الْوُلَاة، فَإِنَّ لَعْنَهُمُ الْحَالِقَة، وَبُغْضَهُمُ الْعَاقِرَة.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ( إذا اغتبت الأمير أو الوزير أو الملك معناها أنك تشحن قلوب الرعية على ولاتهم ، وإذا شحنت قلوب الرعية على ولاتها فإنك في هذه الحال أسأت إلى الرعية إساءة كبيرة، إذ أن هذا سبب لنشر الفوضى بين الناس ، وتمزق الناس وتفرقهم ، واليوم يكون رمياً بالكلام ، وغداً يكون رمياً بالسهام ، لأن القلوب إذا شُحِنت وكرهت ولاة أمورها فإنها لا يمكن أن تنقاد لأوامرهم. شرح رياض الصالحين ٦ / ١٠٥
ثانياً : ومن حقوق ولي الأمر أن له علينا حق البيعة ؛ فإن التخلي عن البيعة وعدم التقبُّل لها من أمر الجاهلية، وقد جاءت الشريعة بالتغليظ في ذلك والتحذير منه، ففي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ” لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكَمْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً”.
ولا يحل لمسلم أن يبيت ليلة واحدة وليس في عنقه بيعة للإمام ؛ للملك ؛ لولي الأمر ؛ ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية ؛ ولا حول ولاقوة إلا بالله
ثالثاً : النصيحة لولي الأمر ولا تكون النصيحة لولي الأمر من عامة الناس ولا من الأعداء ولا من الجماعات المتطرفة ولا من الخارجين ؛ ولا تكون النصيحة في العلن أو عبر وسائل التواصل أو المجاهرة بها عبر المنصات العالمية ؛ بل للنصيحة منهج رباني وأصول شرعية يجب اتباعها .
تكون النصيحة من أهل الحل والعقد والفقه والفهم العالمين العاملين العارفين بفقه الواقع ؛ الحافظين لحقوق ولي الأمر ؛ المتوخين للمصالح العامة والمراعين للمقاصد الشرعية للحفاظ على مصالح الدين والدولة ؛ من كبار العلماء وأهل الشورى والمستشارين والخبراء الذي يعلمون منهج الشارع الحكيم في تقديم النصيحة ؛ يعلمون الواقع الحقيقي للتعامل مع الأحداث والنوازل والقضايا والمستجدات وتدرس دراسة شرعية علمية منهجية مع مراعاة المصالح والمقاصد الشرعية للدين والدولة. وبما أن دستور هذه البلاد هو الكتاب والسنة فلا يمكن بأي حال من الأحوال ؛ ولله الحمد ؛ في هذه البلاد المباركة ، أن تتعارض الأنظمة والقوانين واللوائح والتعليمات مع الكتاب والسنة بل هي وفقهما لأن شريعة الله صالحة لكل زمان ومكان
ثبت في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ” قُلْنَا: لِمَنْ يا رسول الله ؟ قَالَ: “لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ”.
وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ” وهو حديثٌ تواتر نقله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه عنه جمع من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
رابعاً : ومن حقوق ولي الأمر علينا السمع والطاعة للإمام في المنشط والمكره والعسر واليسر ، ما لم يؤمر العبد بمعصية الله، ففي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “عَلَى الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ”، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ”.
والحمد لله ؛ فولاتنا أهل دين وأهل معروف وصلاح وأخلاق عظيمة وقدوات في الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وشريعة الله قائمة ولله الحمد وحق السمع والطاعة واجب ومتحتم علينا
خامساً : ومن الحقوق الواجبة علينا أن نحذر من الخروج على الإمام أو نقض البيعة أو نزع يد من طاعة؛ فإن ذلك كله من أعمال الجاهلية وصفاتهم، وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة عن نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- منها: ما ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً”. والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ معلومة.
سادساً : ومن حقوق ولاة الأمر علينا : الدعاء لهم بالخير والصلاح والتسديد والمعافاة، فالدعاء لولي الأمر دعاءٌ لنفسك وللأمة؛ فإن صلاح ولي الأمر صلاحٌ للأمة، وقد جاء عن الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أنه قال: (إني لأدعو للخليفة بالتسديد والتوفيق بالليل والنهار وأرى ذلك واجبًا عليَّ ).
أيها الإخوة : يجب علينا أن نتذكر نعمة الله -تبارك وتعالى- علينا في هذا البلد المبارك والوطن المبارك وما نعيشه من أمنٍ وأمان وسلامةٍ وإسلام وعافية، فإنها نعمةٌ عظيمة جديرٌ بكل واحدٍ منَّا أن يذكرها، وأن نشكر المنعِم جل في علاه؛ فإن الشكر مؤذن بالمزيد، )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
أيها الإخوة : إن ما نعيشه في هذه البلاد نحن شعب المملكة العربية السعودية فيما بينا وبين ملكنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان من حب ووئام وودٍّ وإخاء وتبادل دعاء يعَدُّ نعمة عظيمة ومنَّة جسيمة منَّ الله تبارك وتعالى علينا بها، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ”؛ أي تدعون لهم ويدعون لكم.
وهذا – من فضل الله ومنِّه وكرمه – وهو واقعٌ نعيشه، نسأل الله الكريم المزيد من فضله، ونسأله جلَّ في علاه أن يتم علينا نعمته وأن يزيدنا من فضله العظيم.
حفظ الله لنا ديننا ووطننا وولاة أمرنا ونصرهم وأيدهم، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله .

• رئيس جمعية التأصيل العلمي
بمحافظة القنفذة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى