تمر منطقة الشرق الأوسط بمخاض عسير جراء الأحداث الصهيو-صفوية المتلاحقة التي تسببت في مجازر مروعة في مدن وضواحي وقرى المنطقة، إذ طالتها الآلات الحربية الفتاكة، فدمّرتها وحوّلتها إلى مدن أشباح لا يسكنها إلا الموت، بعد أن استباحت أرواح السكان دون تمييز بين الأطفال والعجائز والمرضى والمقاومين، وهجّرت من بقي منهم على قيد الحياة.
الصراع بين إسرائيل وإيران ليس سوى صراع مصالح يهدف إلى توسيع النفوذ وتقسيم المنطقة بين الطرفين. فكلاهما يشكل وجهًا لعملة واحدة، إذ يستعدان للقتل والتدمير وإحراق الأرض وزرع الفتنة لتحقيق أهدافهما. من أجل هذا، زرعت إيران أذرعها في المنطقة لتنفيذ أجندتها والدخول في الصراعات نيابة عنها، كما حدث في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث تسيطر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بالسلاح والخبراء، وتنفذ مخططاتها العقائدية في ظل عقيدة “التقية”.
وامتد طمع إيران إلى استغلال معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني، لتقديم نفسها كحامية لحقوق الفلسطينيين، بدعمها لحركة حماس السنية التي تتبع عقيدة الإخوان المسلمين، والتي انقلبت على الحكومة الفلسطينية المعترف بها دوليًا، واستولت على حكم قطاع غزة منفردة.
في السابع من أكتوبر 2023، ارتكبت حماس خطأً فادحًا «حماقة» غير محسوبة العواقب بعمليتها المسماة “طوفان الأقصى”، التي جاءت بتحريض من حلف الممانعة المكوّن من إيران وأذرعها في المنطقة. ومنحت هذه العملية إسرائيل ذريعة أمام العالم لتدمير غزة وتشريد أهلها بين الموت والتهجير. وامتدت يد إسرائيل إلى رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، وردت إيران بإطلاق أكثر من مائتي صاروخ على إسرائيل، إلا أن الخسائر اقتصرت على استشهاد فلسطيني واحد.
وعندما اغتالت إسرائيل القيادي في حزب الله فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، أطلق حزب الله مجموعة من الصواريخ على إسرائيل، لكنها لم تحقق أي هدف يُذكر، مما أعطى إسرائيل ذريعة لشن حملة قاسية على المناطق التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان، البلد الذي كان يُلقب بـ«سويسرا الشرق»، وأصبح رهينًا في يد كهنوت الولي الفقيه، بلا رئيس جمهورية وحكومة عاجزة عن اتخاذ أي قرار خارج إرادة حزب الله.
بعد الخسائر الفادحة في غزة، وتهجير سكانها وتدمير بنيتها التحتية بالكامل، وقتل زعيم حماس يحيى السنوار، وما حل بلبنان من كوارث واغتيال زعيم حزب الله ومعظم قادته، لا تزال إيران تنتظر رد إسرائيل على صواريخها، وتبحث عن مخرج للأزمة التي افتعلتها، حتى ولو كان الثمن التخلي عن أذرعها.
ولم يكن مفاجئًا أن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي خدعت بلاده تابعيها في المنطقة، وبعد كل الدمار الذي حل بفلسطين المحتلة ولبنان الجريح، حاول استرضاء إسرائيل في مقابلة تلفزيونية، بالانتقال من الدعوة لتحرير فلسطين من المحتلين اليهود إلى دعوة الفلسطينيين للاندماج مع الإسرائيليين في دولة ديمقراطية واحدة يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود. وبرّر ذلك بأن حل الدولتين الذي تنادي به الدول العربية سيؤدي إلى استمرار التوترات بين الدولتين.