تقرير _ محمد إبراهيم بربر
تعد تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول صندوق النقد الدولي جزءًا من منظومة الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها الدولة المصرية منذ انطلاق مشروع “الجمهورية الجديدة”.
وفي هذا السياق، تتجلى تصريحات الرئيس في ضوء الحرص على تحقيق التوازن بين احتياجات الدولة التنموية، وضرورة حماية الفئات الأكثر تضررًا من أعباء الإصلاحات الاقتصادية.
ركزت تصريحات السيسي على نقطتين أساسيتين: أولًا، التأكيد على أن التعاون مع صندوق النقد الدولي ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو وسيلة لدعم الاقتصاد المصري وتحقيق الاستقرار المالي. ثانيًا، التأكيد على التزام الحكومة برعاية محدودي الدخل وعدم تحميلهم أعباء إضافية قد تنتج عن الإصلاحات الاقتصادية.
يأتي هذا التصريح في وقت حساس، حيث يشهد الاقتصاد العالمي تحديات كبيرة نتيجة للتضخم المتسارع، وارتفاع أسعار الفائدة، واضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية. وفي هذا السياق، قد يبدو أن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي هو الخيار الطبيعي لدعم الاقتصاد والحصول على السيولة اللازمة لتجاوز هذه الأزمات.
ومع ذلك، لا يخفي الرئيس المصري تردده في الاعتماد الكلي على الصندوق، فهناك إدراك بأن برامج الإصلاح التي يتطلبها الصندوق غالبًا ما تنطوي على إجراءات تقشفية قاسية قد تؤثر بشكل مباشر على محدودي الدخل. وبالتالي، يسعى السيسي إلى طمأنة هذه الفئات بأنه لا نية لتطبيق سياسات قد تزيد من معاناتهم.
تأتي هذه التصريحات في إطار مشروع “الجمهورية الجديدة” الذي يهدف إلى إعادة بناء مصر اقتصاديًا واجتماعيًا، وإطلاق حزمة من المشروعات التنموية الكبرى التي تُعنى بتحسين مستوى معيشة المواطن. من خلال هذه المبادرة، تعمل الحكومة على تحقيق التنمية المستدامة من خلال تحسين البنية التحتية، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز دور القطاع الخاص.
السيسي في تصريحاته بدا واضحًا في ربط هذه السياسات بحماية الفئات الأضعف في المجتمع. فمشروع “حياة كريمة”، على سبيل المثال، هو نموذج على التوجه الرئاسي نحو ضمان أن تتحقق التنمية على أسس عادلة تضمن تحسين ظروف الحياة للمواطن البسيط في الريف والمناطق الأكثر احتياجًا.
هذا الالتزام هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحقيق توازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
السيناريوهات المحتملة
فيما يخص السيناريوهات الاقتصادية المقبلة، هناك عدة احتمالات:
أولا: تعزيز التعاون مع صندوق النقد الدولي بشروط مخففة: قد تسعى الحكومة المصرية إلى التفاوض مع الصندوق للحصول على قروض بشروط ميسرة، تتيح لها مواصلة الإصلاحات الاقتصادية دون فرض أعباء إضافية على محدودي الدخل. وقد يتطلب هذا من الحكومة تقديم خطط واضحة لتحقيق النمو الاقتصادي مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
ثانيا: التركيز على استراتيجيات الاعتماد الذاتي: قد تختار مصر تعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية في قطاعات حيوية مثل الزراعة، الصناعة، والطاقة، مما يخفف من الحاجة إلى التمويل الخارجي. هذا السيناريو يتطلب تفعيل دور القطاع الخاص وتوفير بيئة تشريعية محفزة للاستثمار.
ثالثا: الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية المحلية: يمكن للحكومة المضي قدمًا في خطط الإصلاح دون الاعتماد الكبير على قروض صندوق النقد، من خلال ضبط النفقات العامة وتحقيق كفاءة أكبر في إدارة الموارد الاقتصادية.
الانحياز إلى محدودي الدخل
يظهر انحياز السيسي إلى محدودي الدخل بوضوح من خلال عدة إجراءات اتخذتها الحكومة خلال السنوات الماضية، ومنها زيادة الدعم النقدي المباشر من خلال برامج مثل “تكافل وكرامة”، وإطلاق حزم حماية اجتماعية موجهة للفئات الأكثر تضررًا من ارتفاع الأسعار، وهذه السياسات تعكس حرص الدولة على توفير شبكات أمان اجتماعي تحمي الفقراء وتضمن لهم حياة كريمة في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة.
وتصريحات الرئيس السيسي تشير إلى أن الدولة تسير في اتجاه يجمع بين الاستقرار الاقتصادي وحماية محدودي الدخل. وتظل التحديات كبيرة في ظل الظروف العالمية الراهنة، إلا أن السياسة المصرية تسعى إلى تحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصادية الكبرى وحقوق المواطنين.