جينا نبيع كبوش التوت
ضيعنا القلب ببيروت
يا شماتة شباب الضيعة
عالضيعة يما عالضيعة
لمين بدنا نحكي قصتنا
يا مصيبتنا ويا جرستنا
هالشب اللي سبب لوعتنا
باع قلبه طناعشر بيعة
يا شماتة شباب الضيعة
أغنية عالضيعة التي ألفها توفيق بركات ولحنها محمد عبد الوهاب، لو كانت صباح على قيد الحياة لعلمت أن ضياع الحبيب والقلب أهون من ضياع بيروت. وربما قال بركات حينها “ضيعنا الكل في بيروت”.
هكذا ضاعت بيروت وأصبحت عنوانًا للمعاناة. وبدلاً من كلمات الحب والغزل وتفاصيل بهاء الحياة وقيمتها الماتعة التي كانت تُكتب على أوراق الشجر ودفاتر الشباب والصبايا، وعلى باب كل بيت في بيروت، لم يعد هناك منزل في حاراتها الحميمة لا يحتضن الجمال والحب وطيبة القلب وعفوية العيش المشترك. وبدلاً من ذلك، أصبحت جدران بيروت مليئة بعبارات القتل والتهديد والانتقام.
بيروت كانت البلد الجميل البديع الذي يقصده العرب وأهل الغرب لقضاء أمتع وأجمل السهرات. أجواؤها كانت خالية من الغيوم، إلا غيمات صغيرة تمطر زهراً وحباً وفناً. لقد سيطر فنها على الساحة الطربية السهلة الممتنعة، سهلة على مبدعيها من الكتاب والملحنين والمطربين، وعصية ممتنعة على الكثير ممن حاولوا أن يكونوا أيقونات طربية شعبية في ساحة الغناء. أبدع فنانو لبنان أيما إبداع، من وديع الصافي إلى الرحابنة، وفي المنتصف يقف فيلمون وهبي، المؤلف والملحن البديع الذي قال عنه الفنان الكبير طلال مداح: “إن ألحان فيلمون لا يمكن أن تجد منها لحنًا عابر سبيل، كلها فريدة ممتعة”.
بيروت كانت منارة تعج بجماليات الحياة ومؤلاً لعباقرة من الكتاب والشعراء مثل خليل جبران، أمين الريحاني، وميخائيل نعيمة. أرادها المهووسون بالحروب والدمار سلة يضعون فيها أسوأ مهملاتهم من أفكار بائسة وأفعال أكثر بؤساً.
بيروت حاول المخلصون بدءاً من المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبدالعزيز، وحتى عهد الملك سلمان حفظه الله، بذل كل جهودهم لتظل لبنان كما يحبون أن تكون، وطن الجميع. وكان ذلك من منطلق حرصهم على كل جزء من البلاد العربية، حيث لا يدفعهم إلا رغبتهم في أن يعم السلام والأمن والخير للجميع. ولكن أبى هؤلاء إلا أن يستمروا في أجنداتهم، غير عابئين بكل المبادرات. لقد ذهب معظمهم، والبقية تنتظر. ولكن، ما ذنب الأبرياء ممن قُتلوا، وتيتموا، وثُكلوا، ومن فقدوا حصيلة عمرهم من منازل وأدوات عيش ضاعت سنينهم في تحصيلها؟
والآن، هؤلاء تسببوا في جر الحروب إلى لبنان، بعد أن جعلوه بلا اقتصاد، بلا أمن، وبلا رئيس دولة. يريدونه كما قالت عشيقة لويس الخامس عشر منذ زمن بعيد: “أنا ومن بعدي الطوفان”. حماس أشعلت الحرب ولم تفكر، وهي تحكم غزة لسنوات عديدة، في توفير الغذاء أو الدواء لسكانها. كان كل همها حفر الأنفاق، التي بلغ عددها أكثر من 7000 نفق. ولم تعمل حتى على تهيئة بعض الملاجئ لأهل غزة، علها تقيهم بعضاً مما عانوه من التشرد والاستلقاء في الشوارع بلا غطاء، ينتظرون من سيموت أولاً. وكانوا صيدًا سهلاً للآلة الإسرائيلية الظالمة التي لا ترحم. ويقولون إن تلك الخسائر في الأرواح مجرد خسائر تكتيكية.
إلى متى يا حماس، يا حزب الله، ويا الحوثي، هذا الإمعان في هذا التجهل؟ إنهم يشعلون الحروب، ثم ينادون: “تعالوا يا عرب، أوقفوا الحرب، وأعيدوا إعمار غزة ولبنان”. لن يعمرهما لا الحوثي الذي يحاصر المدن اليمنية ومنها تعز، ولا حماس، ولا حزب الله، وطبعاً ولا من حرضهم على تلك الحماقات. إنهم لن يدفعوا قرشاً، فمهمتهم إشعال النار، ثم البكاء والعويل: “أين أنتم يا عرب؟”. فهل يستوعبون الدرس؟ غالباً لن ينجح أحد.