ماذا يعني أن نعمل في بيئة عمل آمنة؟ وماذا يعني الشعور اليوميّ بأن أحدًا ما يقضي جلّ يومه في عمل غير مريح، أو بيئة تفتقر للتقدير، أو تلك التي لا تتحقق فيها أبسط معايير الاحترام، وغير ذلك من أمثلة عن بيئة العمل الآمنة وغير الآمنة. و كيف نصل الى أفضل بيئات العمل التي تتميّز بالعناصر الإيجابية كالإبداع، والتميّز والتفرّد؟
تحتفي بيئة العمل الإيجابية الآمنة بالابتكار والفردية. وتشجّع على التعاون والعمل الجماعيّ مع توفير المرونة والاستقلالية في إطار من الصحة النفسيّة أو الجسميّة التي يحتاجها الموظّفون للوصول إلى أهدافهم الشخصيّة التي تصبّ في مصلحة العمل.
وتحرص المؤسسات ذات الثقافات العظيمة على دعم صحة الموظفين وقبول جميع الآراء والتوجّهات وطرق العمل، ويتعامل قادتها معها بشفافية، بل تراهم يعترفون بالموظفين الذين يعيشون قيم الشركة كلّ يوم.
إنّ المتطلّب الأساس لبيئة عمل صحيّة هو تعزيز ثقافة الثقة والسلامة النفسيّة؛ ليشعر الموظفون بالراحة في التعبير عن أنفسهم، ومشاركة ما لديهم من الأفكار حول آلية العمل، وتقديم الملاحظات دون خوف من الحكم أو العواقب. وسواء كنا رؤساء أو مرؤوسين علينا أن نفكّر دومًا كيف نساهم في خلق بيئة عمل صحيّة، وأن نطرح التساؤل كيف يمكن أن يكون لي دور في تعزيزها، وما أفضل الممارسات التي تضمن استمرارها؟
ليأتي الجواب على سبيل المثال لا الحصر: إعطاء الأولوية لقنوات الاتصال المفتوحة لتشجيع الملاحظات والشفافية، وتنفيذ السياسات التي تعزّز التوازن بين العمل والحياة، ورفاهية الموظفين، وتعزيز ثقافة الاحترام والتقدير للجميع من دون استثناء، ودعم مبادرات التنوّع، وتوفير فرص التعلّم المستمرّ، والنمو المهنيّ، وتنمية جوّ فريق داعم حيث يزدهر التعاون والاحترام المتبادل.
وإنّ تسليط الضوء على الأمن النفسيّ الذي يقود إلى الرفاهية لا يعني إغفال جانب مهمّ للغاية، وهو حقوق الأفراد في المؤسسة؛ حقهم في الترقيات، والعدالة في توزيع الأعمال بينهم. وإن للرئيس حقوقًا وواجبات كما للمرؤوسين حقوقًا وواجبات يجب مراعاتها لتحقيق البيئة الآمنة، ومراعاة أنظمة العمل بحكم المرؤوسيّة تأتي كمقوّم أساسي قبل جذب ميزات الرفاهية. وحتى يتحقّق العمل الصحّي لابدّ أن يشعر الموظف بالارتياح النفسيّ من خلال شعوره بالاطمئنان لحصوله على حقوقه أولًا، والرفاهية التي تعمّق الدافعيّة للعمل بعد ذلك.
ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن هذه الممارسات لا تعمل على تعزيز رضا الموظفين وإنتاجيتهم فحسب، بل تساهم في خلق ثقافة تنظيميّة إيجابيّة ونجاح طويل الأمد للمؤسّسة، بل إن استدامة الصحّة النفسيّة والعمل الإيجابيّ في بيئة العمل ستحول دون خلق الجوّ السلبي نتيجة الخلافات – التي لاتخفى- بين أعضاء الفريق أو بين الرئيس والمرؤوسين التي غالبًا ما تكون سببًا في سقوط المؤسسة.
إن تطوير بيئة عمل صحيّة لها ارتباط مباشر بزيادة رضا الموظفين، والإنتاجية، ومعدلات الاحتفاظ بهم، فعلى سبيل المثال، يُظهر تقرير المشاركة والاحتفاظ لعام (2024) الصادر عن معهد Achievers Workforce
Institute (AWI) أنّ 72٪ من الموظفين سيبقون لفترة أطول في وظيفة يشعرون فيها بالاهتمام والتقدير ،مقابل وظيفة لا يشعرون فيها بالتقدير رغم أنهم يتلقّون فيها زيادة بنسبة 30٪. وهذا يوضّح القيمة الحقيقيّة لبيئة العمل الصحية؛ فالصحة النفسيّة والإحساس بالأمان والتقدير أهم من الزيادة في الدخل السنوي الذي لا يمكن أن يأتي في مرتبة أعلى حسب هرم ماسلو للاحتياجات.
كما أثبتت دراسات نفسيّة أنّ الضغط النفسيّ المتكرّر الذي يتعرّض له العامل في بيئة العمل، قد يؤدي إلى مشاكل صحيّة لا حصر لها ممّا يؤثّر على إنفاق الكثير من الأموال على التأمين الصحيّ للعاملين.
خلاصة القول إنّه من خلال إعطاء الأولويّة لرفاهية فريقك، فإنك لا تعزّز ثقافة إيجابيّة في مكان العمل فحسب، بل تعزّز أيضًا الصحة البدنيّة النفسيّة والعقليّة، مما يؤدّي إلى تقليل التغيّب وتكاليف الرعاية الصحيّة. بالإضافة إلى ذلك، تعمل بيئة العمل الصحيّة على تعزيز الإبداع والابتكار والعمل الجماعيّ الفعّال، ممّا يؤدّي إلى نتائج أعمال أفضل، ونجاح طويل الأمد للمؤسّسة.