قلوب الوالدين تشبه أفئدة الطير، تفيض بالحنان والرأفة على أبنائهم منذ اللحظة الأولى التي يتشكل فيها الحلم برؤية طفلهم، يمر هذا الحب بمراحل عدة، بدءًا من الخطبة وتباشير الحياة الجديدة، وصولاً إلى الامتنان والفرح بعد قدوم المولود. في هذا المقال الذي يتكون من جزئين، سأستعرض في الجزء الأول صور لهذه المراحل من وجهة نظري فقط، والتي قد تتفق مع البعض وقد تختلف مع آخرين.
المرحلة الأولى: مرحلة الخطبة
تعد مرحلة الخطبة من أهم المراحل في الحياة الزوجية، فهي تمثل بداية تكوين الأسرة والأساس الذي يقوم عليه مستقبل الأبناء. يحرص أغلب الأزواج في هذه المرحلة على اختيار الزوجة المناسبة التي تتوفر فيها الصفات التي تُنَكح من أجلها المرأة، وهي: المال، والجمال، والحسب، والنسب. عند هذه النقطة، يبدأ بعض الرجال في رسم تصور مبدئي لطفلهم القادم، مستحضرين الصفات التي يرغبون في رؤيتها في أبنائهم، والتي قد يجدونها في أخوال الطفل. ومن هنا يتجلى القول الشعبي “استجود الخال يجود الولد”، إذ يعتقد البعض أن تأثير الخال ينعكس إيجابيًا على شخصية الطفل وخصاله.
المرحلة الثانية: عقد القران
يبدأ شعور الحب الذي يحمله الوالدان لطفلهما حتى قبل ولادته، فعند عقد القران، يشعر الزوجان بفرحة تفوح منها روائح الحب والأمل بمستقبل مليء بالسعادة، ويتجدد هذا الشعور بعد حفل الزواج حينما يتخيلان أنفسهم كعائلة قادرة على إنجاب وتربية طفل سيكون امتدادًا لروحيهما.
المرحلة الثالثة: الحمل
عند الحمل، يشعر الوالدان بسعادة غامرة، لكن غالبًا ما تكون سعادة الأم أعمق وأشد كونها تشعر بحركة الجنين في أحشائها. وينبض قلبها بحب جديد لهذا الكائن الصغير الذي لم تره بعد، لكنها تشعر بوجوده وتتصل به بروحها، في حين يتجلى هذا الحب في الأب بطريقته الخاصة، كأن يصبح أكثر حرصًا واهتمامًا، متحمسًا ليكون أبًا يرعى ابنه ويحميه.
المرحلة الرابعة: ازدياد الحب
مع تقدم أشهر الحمل، يزداد حب الوالدين للمولود المنتظر، ويترافق ذلك مع نمو حلمهم باللحظات التي سيحملون فيها طفلهم بين أيديهم. هذا الحب المتزايد يجعلهم يستعدون له، يجهزون أغراضه ويهتمون بكل تفاصيله الصغيرة، مما يعكس توقهم الكبير لرؤيته.
المرحلة الخامسة: الشوق لرؤية المولود
عندما تصل الأم إلى الأشهر الأخيرة من الحمل، يزداد شوق الوالدين لرؤية الطفل، ويمتلئون بالترقب والشوق لهذه اللحظة الحاسمة، وباتوا الآن يشعرون به وكأنه جزء من حياتهم لا ينقصه سوى الظهور للعيان، ويرددون الدعاء بأن يأتي طفلهم إلى الحياة بأمان وسلام.
المرحلة السادسة: فرحة ما بعد الولادة
بعد الولادة، تتدفق التهاني والتبريكات عليهما، ورغم التعب والإرهاق الذي تعانيه الأم، إلا أن السعادة ترتسم على وجهها بوضوح، إذ ترى أخيرًا ثمرة انتظارها وصبرها، ويشعر الأب بفخر وسعادة عارمة، ويبدأ في احتواء الطفل بلطف وحرص ليكونا على استعداد للعناية به ورعايته.
المرحلة السابعة: اختيار اسم المولود
تعتبر لحظة اختيار اسم المولود من اللحظات الحاسمة والمليئة بالتحديات والمشاعر بين الزوجين، خاصة إذا لم يتفقا على الاسم قبل الولادة. في هذه المرحلة، يشعر بعض الوالدان لأول مرة بتجربة المسؤولية الوالدية، حيث يرغبان في إكرام آبائهم وأمهاتهم عبر تسمية المولود باسمائهم وهذه في نظرهم تعبر عن برّهم وتقديرهم. بعض الشباب يحب أن يُكنى باسم والده من قبل أن يتزوج..
تبدأ هذه اللحظة أحيانًا بنقاشات دافئة قد تتحول إلى تنازلات متبادلة، إذ يحاول كل منهما إرضاء الآخر في هذا القرار. بعض الأزواج يختارون التنازل كنوع من التقدير والاعتراف بتعب الشريك، فربما يترك الزوج لزوجته حرية اختيار الاسم تقديرًا لصبرها ومعاناتها أثناء الحمل والولادة، وأحيانًا تُبدي الزوجة كرمًا وتختار الاسم الذي يعبر عن حلم زوجها أو الاسم الذي يعكس حبها له، ليكون كنية يفخر بها.
هكذا، تصبح هذه المرحلة رمزًا للعطاء والاحترام المتبادل بين الزوجين، وتجسد عمق الروابط العاطفية بينهما، وتُكسب اسم الطفل بعدًا آخر يعبر عن الحب والتقدير بين الوالدين.
المرحلة الثامنة: العقيقة
عند إقامة العقيقة، يتوجه الوالدان بالشكر إلى الله على نعمة المولود الذي وهبهما إياه، ويحتفلان به في جو عائلي مفعم بالفرح والدعاء له بالصلاح والتوفيق. هذا الدعاء يعبر عن رغبتهم الصادقة في أن يكون طفلهما قرة عين، وحياة مكللة بالنجاح والتوفيق، وأن يكون لهم سندًا في الأيام المقبلة.
تمر علاقة الوالدين بطفلهما منذ البداية بمراحل عميقة تفيض بالحب والرعاية، بدءًا من الحلم به وحتى حضوره بين أيديهم، ليكون هو المحور الأهم في حياتهم، وتظل قلوبهم نابضة بالحب والعطف له مدى العمر.
المرحلة التاسعة: الطهار (الختان)
تُعد لحظة الطهار من أصعب اللحظات على الوالدين، إذ يشعران فيها بأول ألم يعتصر قلوبهما نتيجة حبّهما وحنانهما وخوفهما على طفلهما. وتمثّل هذه اللحظة اختبارًا لعاطفتهما، حيث يسعى الأب عادة ليكون بجوار طفله، فتبرز مشاعر الرعاية والحماية، ويتضح دور الأب الذي يحمل المسؤولية، متحملًا ألم هذه اللحظة بدلًا من الأم.
يتذكر كثير من الآباء هذه التجربة بأدق تفاصيلها، وهنا أستذكر لحظة طهار ابني أحمد. كنا نميل إلى الطريقة التقليدية، فذهبت به إلى الطبيب الشعبي المعروف في مكة المكرمة وهو من أشهر المطهرين الشعبيين. دخلت منزله، وطفلي بين يدي، طلب مني الجلوس ورفع الغطاء عن جسمه، وطلب مني أن أمسك بقدمه حتى لا يتحرك أثناء الطهار.
وضعت يدي على رجله وقلبي يتقطع، وما أن بدأ الرجل عملية الطهار، حتى صاح المولود بألم، فلم أتمالك نفسي وتركت رجله لا إراديًا، إذ شعرت بضعف قلبي أمام صرخاته. لمس الرجل حنان الأب في موقفي، وابتسم ممازحًا ليخفف عني قائلًا: “أمسك رجله بقوة وإلا بطهرك!”.
تظل تلك اللحظات ذكريات لا تُنسى، يتجرع فيها الأب مرارة الألم والقلق حبًا وحرصًا على طفله، مؤديًا دور الحامي، في مشهد يشهد على تبادل الأدوار بين الوالدين في العناية والمحبة.
في الجزء الثاني من المقال، أكمل لكم بقية صور مراحل حب الوالدين للأبناء