قصة قصيرة
يعبر الليل عبر ثقب إبرة، دون اكتراث بالزمن، الذي يلاعب الأذهان في ملاحظته، في عين آخرين، قد يبدو كلمح النظرة، لكنه في عيني الساهرة، والباحثة في سكون العالم حولها عن خبوت فكرة، أو انطفاء جمرة، ليل بعيد الشقوة، السكن فيه سفر بعيد، إلى أفلاكٍ تسبح فيها الوحشة، وبهدوء من يعتاد موطنه، أقضي ليل الأمنيات التي لا تجاوز الخيبات في كل مرّة، ليلة.. يكف فيها التغاضي عن تمثيل دوره، وتتشكل الديون التي ظننت أنها تلاشت في غمامة الكتمان، أو ذابت في رحمة النسيان، تفاجئني.. فتعيد اكتساب عنفوانها، لتنقض باحثة عن يقظة مرتبكة، وحيرة متقدة، وعنفوان يرمق أنفاسه، وكبرياء يسدل ستار استسلامه الأبيض، حيث الغارة مضمونة المكاسب، ومؤثرة النتائج، في تلك اللحظات، كأن الباب الموصد بإحكام؛ يفقد قفله الذي أوصد به، يختفي، كأن لم يفتح مسبقًا، ولم يتدل مفتاحه بينما أشاهده ليخبرني أني أملك الخيار دائمًا للفرار، والآن لا قفل ولا باب، أستار خلف أستار، عنوانها كان حرية القرار، كأنما كنت من بنى حتى الجدار، حتى جاءت الليلة، حيث تهيأ السجن للسجان، والمحكمة لقاضي الزمان، يملك سلطة مطلقة، منها: القدرة على فرض تباطؤ الزمن، وعلى قدرة الملاحظة، كأنما يستعرض مسرح جريمة موثقة، تسارع ركضي لدرجة أن يكون الأمر مفاجئًا في حدوثه، مبهرًا في ولادة تفاصيله الجديدة، تلك لحظة لا يعجز عنها فحسب؛ بيان أو تبرير، ولا تنقذ فيها حجة دفاع، تسوقها لجنة دفاع، تشكلت من مسكنة الحال، وإقرارٍ.. بأني إنسان، يجوز منه الخطأ والنسيان، لا يقنع ذلك لجنة المحلفين، بما فيها من ليل، وعزلة، وباب موصد بإحكام، وأعمال تشرق كالصباح، كأنما اجتمعت معه مسبقًا تحت جنح الظلام، واصطلحت معه على تبادل روح الأمل بروتين العمل، لا لتحتفظ به، بل لتهوي به كبيضة على أرض صلبة، فيهرق تحت رنين المنبه، وتنبلج الأنوار فارغة من جمال البدايات، لترفع العين رمشها في إخبات، وتخرج من قاعة المحكمة، وقد حكم لها القاضي، بإكمال الزمان، دون تباطئ، حتى الجلسة القادمة.