قال تعالى: (أَدْخِلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) (سورة يوسف، الآية 99)، بهذه الآية القرآنية التي تحمل في طياتها رمزية السلام والأمان، يمكن أن نصف العلاقات الراسخة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، التزامًا مشتركًا بتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، وتجسد الأمل في التعاون المثمر بين البلدين لتحقيق تنمية مستدامة. تعكس زيارة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – إلى جمهورية مصر العربية خطوة ذات أهمية استراتيجية عميقة، تعزز من العلاقات السعودية المصرية على كافة الأصعدة. وفي ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، تأتي هذه الزيارة لتعكس حرص القيادة في كلا البلدين على توطيد التعاون وتوحيد الجهود في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك. هذه الزيارة تحمل في طياتها العديد من الأهداف والمنافع، أبرزها تنسيق خطوات دقيقة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي تفرض على الدول العربية المزيد من التعاون والتنسيق. كما تعزز هذه الزيارة الرغبة المشتركة في التعاون الاستراتيجي بين السعودية ومصر بما يخدم مصالح المنطقة ويواكب التطورات المتسارعة. تتيح هذه الزيارة فرصة للتشاور والتنسيق حول الملفات المشتركة التي تخدم القضايا العربية والإقليمية، وتساهم في تحديد مسار واضح للملفات ذات الأولوية، على رأسها القضايا الاقتصادية والاستثمارية والسياسية.
تأتي هذه الزيارة كعلامة فارقة في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، حيث تؤكد على تشكيل مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري ليكون منصة فاعلة في سبيل تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين ودفعها نحو آفاق أرحب، بما يعزز ويحقق المصالح المشتركة في مختلف المجالات. كما تضمنت الزيارة توقيع اتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، مما يسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية المشتركة. خلال المباحثات بين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وفخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تطرقت النقاشات إلى عدد من الملفات المهمة على المستويين الإقليمي والدولي. ومن بين الرسائل الرئيسية التي خرجت من هذه المباحثات الدعوة إلى إيقاف إطلاق النار في غزة والسعي لوقف التصعيد بين الفصائل الفلسطينية والكيان الغاشم بما يحفظ أرواح المدنيين ويعيد الاستقرار إلى المنطقة. كما جرى التأكيد على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام، إلى جانب محاولات لتصفية الخلافات الفلسطينية بهدف توحيد الجهود وتعزيز الصف الفلسطيني أمام التحديات.
من المتوقع أن يكون لتوقيع اتفاقيات الاستثمار بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تأثير كبير على المشهد الإقليمي. التعاون الاقتصادي بين البلدين لا يقتصر على مجرد تعزيز النمو الاقتصادي، بل يسهم في تعزيز استقرار المنطقة ككل. هذه الاتفاقيات تعزز الترابط الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وتفتح الباب أمام مزيد من الاستثمارات في قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة، البنية التحتية، والسياحة. من شأن هذا التعاون أن يقلل من التبعية الاقتصادية لدول المنطقة على الأسواق الخارجية، مما يسهم في تقليل الضغوط الاقتصادية الخارجية، ويساعد على تحقيق استدامة تنموية. من ناحية أخرى، يمثل التعاون الاقتصادي بين السعودية ومصر نموذجاً يحتذى به للتكامل الإقليمي. فاستقرار اقتصاد الدولتين يعني مزيداً من الاستقرار الإقليمي، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على دول الجوار. على المدى البعيد، هذا النوع من التعاون الاقتصادي سيساهم في تعزيز القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية كالتضخم وأسعار الطاقة، ويعزز الدور القيادي للبلدين في رسم مستقبل اقتصادي مستدام للمنطقة.
وفي هذا الإطار، يجب أن نُسلط الضوء على مدى التكامل الذي يجمع السعودية ومصر على الساحة الإقليمية. فكل منهما يمثل ركيزة أساسية لحفظ الأمن والسلم في المنطقة العربية، لكن هذا التكامل لا ينحصر في المجال السياسي والدبلوماسي فقط، بل يمتد ليشمل التعاون في المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والثقافية والإجتماعية.
على الصعيد السياسي، تمثل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية محورين أساسيين في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة العربية. تسعى الدولتان باستمرار إلى توحيد مواقفهما تجاه القضايا الإقليمية الحيوية، مثل الأزمة الفلسطينية، والصراع في اليمن، والسودان، والصومال، والتصعيد في لبنان. يُعزز هذا التنسيق السياسي قدرة البلدين على التأثير في القرارات الدولية وتوجيه السياسات الإقليمية نحو تحقيق السلام والاستقرار، مما يُظهر التزامهما المشترك بتهيئة بيئة سلمية تسهم في تطوير المنطقة وتلبية تطلعات شعوبها.
أكد الجانبان دعمهما الكامل لمجلس القيادة الرئاسي في الجمهورية اليمنية، وأهمية الدعم الكامل للجهود الأممية والإقليمية للوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية بما يضمن للشعب اليمني الشقيق الأمن والاستقرار في بلاده واستئناف مؤسسات الدولة.
فيما يتعلق بالشأن اللبناني، عبر الجانبان عن قلقهما العميق إزاء التصعيد الذي يقوم به الاحتلال في لبنان، وأكدا التزامهما بدعم أمن واستقرار لبنان ووحدة أراضيه، مع التشديد على ضرورة الحفاظ على سيادته وسلامته الإقليمية. كما أبديا تضامنهما الكامل مع الشعب اللبناني في مواجهة الأزمة الحالية، وأكدا على أهمية تمكين الدولة اللبنانية بمؤسساتها كافة من الاضطلاع بمسؤولياتها وبسط سيطرتها على كامل أراضيها. كما شدد الجانبان على أهمية دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره. وأعربا عن دعوتهما للمجتمع الدولي، وبخاصة مجلس الأمن، للقيام بمسؤولياته والضغط من أجل وقف فوري ودائم لإطلاق النار في لبنان، وتجنب توسع نطاق الصراع القائم في المنطقة.
وفي الشأن السوداني، أكد الجانبان أهمية مواصلة الحوار من خلال منبر جدة بين طرفي النزاع السوداني وصولاً إلى وقف كامل لإطلاق النار، وإنهاء الأزمة ورفع المعاناة عن الشعب السوداني الشقيق، والمحافظة على وحدة السودان وسلامة أراضيه وسيادته وكافة مؤسساته الوطنية.
وفي الشأن الليبي، أكد الجانبان دعمهما للحل الليبي – الليبي وخارطة الطريق التي تدعمها الأمم المتحدة، ودعم جهود بعثة الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتوحيد مؤسسات الدولة، وخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا لتحقيق ما يتطلع إليه الشعب الليبي من أمن واستقرار.
وفيما يتعلق بالشأن الصومالي، رحب الجانبان بما تحقق من إنجازات في محاربة الإرهاب والتطرف وتعزيز الأمن والاستقرار، وأكدا دعم بلديهما للجهود المبذولة لتحقيق الأمن في الصومال، ومساعدة المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار في البلاد.
من الناحية الاقتصادية، يُعد التعاون الاستثماري بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية نموذجًا متميزًا للتكامل الاقتصادي، الذي يسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي. فالاستثمارات السعودية في مصر تعزز التنمية الاقتصادية وتخلق فرص عمل جديدة، بينما تقدم مصر سوقًا كبيرًا يعزز من النمو الاقتصادي للمملكة. يعكس هذا التعاون الرؤية المشتركة للبلدين في تحقيق استدامة اقتصادية قائمة على الشراكة المتبادلة، مما يسهم في بناء مستقبل مزدهر للبلدين ويعزز من قدرتهما على مواجهة التحديات الاقتصادية.
أما على الصعيد الأمني والعسكري، يسهم التنسيق بين القوات المسلحة في المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب وحماية الحدود والممرات البحرية الحيوية. إن هذا التعاون الاستراتيجي يُعتبر عنصرًا أساسيًا لضمان استقرار المنطقة، في ظل التهديدات المتعددة التي تواجهها، سواء من الجماعات الإرهابية أو من القوى التي تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار. يُعزز هذا التكامل الأمني قدرة البلدين على التصدي لأي مخاطر قد تهدد السلام في المنطقة.
وبالنسبة للمجال الثقافي والاجتماعي، يتجلى التعاون بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية في تعزيز القيم المشتركة والدفاع عن الهوية العربية والإسلامية. فالسعودية، بما تحمله من قيم دينية عريقة، ومصر، بتفردها الثقافي والتاريخي، يشكلان دعامة قوية لهذه الهوية. هذا التعاون يساهم بشكل فعّال في التصدي للتحديات والضغوط التي تواجه الأمة، مما يعكس التزام البلدين الراسخ بالتراث المشترك وقيم الهوية التي تجمعهما.
باختصار، العلاقة بين السعودية ومصر ليست فقط علاقة تعاون، بل هي علاقة تكاملية تعزز من قوة كل منهما وتجعل منهما محورين لا غنى عنهما في استقرار المنطقة العربية.
في ختام هذه الزيارة، يتضح أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تشهد نقلة نوعية على كافة الأصعدة. زيارة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى مصر تؤكد على أهمية توحيد المواقف المشتركة في مواجهة التحديات الإقليمية الملحة، وتعكس إرادة البلدين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. السعودية ومصر تشكلان عمودين أساسيين في حفظ الأمن والسلم العربي، فتكاملهما يمثل ركيزة هامة لاستقرار المنطقة في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
من المتوقع أن تساهم هذه الزيارة بشكل مباشر في تعزيز الاستثمارات المتبادلة، بما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني لكلا الدولتين. علاوة على ذلك، يعزز التعاون الاستراتيجي بين السعودية ومصر دورهُما كمحورين رئيسيين في استقرار المنطقة، وهو ما يعزز قدرة البلدين على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، ويجعل منهما مثالاً يُحتذى به في تحقيق التعاون العربي المشترك.
أستاذ القانون الدولي – جامعة جدة # سياسي – دولي – دبلوماسي