قناديل مضيئة
استيقظنا قبل عدة أيام على مقطع فيديو مصور لطفل يتهم فيه اثنين من المعلمين بالاعتداء عليه. وقد لقي هذا المقطع رواجًا كبيرًا بين الناس وأصبح حديث الشارع السعودي خلال ساعات من نشره. ولكن اتضح، وحسب ما أعلنته وزارة الداخلية، زيفه وما انطوى عليه من أكاذيب هدفها النيل من هذا الوطن العظيم. وقد انبرى شعب طويق الأبي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لتحليل المقطع وكشف تفاصيله، من بينها تحديد شركة الاتصالات التي استخدم الهاتف منها لتصوير الفيديو، وفضح من نشره وروّج له، بالإضافة إلى إظهار مقاطع سابقة ذات صلة بهذا المقطع، وكان هدفها الأول تشويه صورة المملكة العربية السعودية وشعبها الكريم.
لن أتحدث هنا عن المعلم وفضله ورفعة قدره وسمو رسالته، فنحن نربأ به عن أي تهمة، وهو أبعد ما يكون عن أي شبهة. كما لن أتناول إنجازات المملكة وحفظها لكرامة المواطن والمقيم على حدٍ سواء، فهذه الإنجازات وما تقدمه هي خير شاهد لكل ذي عقلٍ ولبّ، ولكل منصف شريف. وتعامل الأجهزة الحكومية مع هذا المقطع خير دليل على ذلك، فما هي إلا دقائق من نشر الفيديو حتى تحركت أجهزة الدولة وتعاملت مع الموقف بكل جدية وحياد.
لكنني سأتناول الموضوع من زاوية أخرى: الطفل الذي تم استغلاله والزج به في هذا المشهد المشبوه لتحقيق أهداف دنيئة من نفوس وقحة، أقدمت على اغتيال طفولته البريئة بكل وحشية وأنانية. إن مصطلح “اغتيال الطفولة” يعبر عن انتهاك حقوق الأطفال الأساسية وسلب براءتهم، وهو ما يترك آثارًا عميقة على نموهم الجسدي والعقلي والنفسي. الفقر، والتهميش الاجتماعي، والنزاعات المسلحة، والعنف الأسري، والتفكك الاجتماعي، والتسرب من التعليم الذي يعد ركيزة أساسية لحماية حقوق الطفل، هي من أهم الأسباب التي يستغلها المجرمون لاغتيال طفولة الصغار الأبرياء.
الأطفال الذين يعانون من سوء المعاملة أو الاستغلال غالبًا ما يواجهون مشاكل نفسية مثل القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس. هذه الاضطرابات النفسية قد تستمر حتى بعد بلوغهم، مما يؤثر على قدرتهم في بناء علاقات صحية أو الانخراط بشكل طبيعي في المجتمع. كما أن تعرض الأطفال للعنف والاستغلال يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية جسيمة مثل سوء التغذية، والأمراض المزمنة، وحتى الإعاقات الجسدية نتيجة سوء المعاملة أو العمل القسري في سن مبكرة.
إن الأطفال الذين تُغتال طفولتهم ينشؤون في بيئات غير صحية تجعلهم عرضة للانحراف الاجتماعي، وقد يصبحون ضحايا للجريمة أو حتى مشاركين فيها كنتيجة للتهميش الاجتماعي والاقتصادي. لذا، يُعد التعليم والاستثمار فيه من أهم الحلول لإنهاء اغتيال الطفولة، حيث يوفر للأطفال فرصًا للنمو الشخصي والمجتمعي ويحميهم من الانخراط في أعمال غير قانونية أو استغلالية.
يجب على الدول تعزيز القوانين التي تحمي حقوق الأطفال وتعاقب بشدة على الاستغلال أو العنف ضدهم. وتفعيل تلك القوانين والرقابة الصارمة على تطبيقها يساهم بشكل كبير في الحد من هذه الظاهرة. كما أن نشر الوعي حول حقوق الأطفال بين الآباء والمجتمعات يساعد في خلق بيئة أكثر أمانًا للأطفال، ويشمل ذلك التوعية بأهمية التعليم والصحة النفسية والجسدية للأطفال وخطورة العنف والاستغلال.
إن اغتيال الطفولة هو جريمة بشعة تهدد مستقبل الأجيال القادمة وتعرقل نمو المجتمعات. وتقع المسؤولية على عاتق الجميع، من حكومات ومؤسسات وأفراد، في السعي لحماية الأطفال وتوفير بيئة آمنة لهم تمكنهم من النمو والتطور بشكل صحي وسليم.