الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
الأئمة والحكام هم الذين تتم لهم الولاية، ويتولون قيادة الأمة الإسلامية، سواء كان ذلك الوالي قد عُهد إليه من قَبله أو أخذها بالقوة وتولى عليهم بالغلبة، فكل هذا بلا شك إذا تمت له الولاية وجبت له الطاعة والسمع، وحُرم الخروج عليه.
وذلك لأن الخروج على الأئمة يسبب فتناً وضرراً على المسلمين، وكم حصل بسببه من القتل والسجن والدمار والإضرار بالمسلمين؟
والخروج على الأئمة يُحدث مفاسد كثيرة دينية ودنيوية، فيجلب الفتن والقتل والاضطهاد للعباد، كما يسبب الذل والخوف ودمار المجتمعات. وقد جُرب ذلك في العصور الأولى والعصر الحديث.
ولا يجوز الخروج على الأئمة بأي حال من الأحوال ولأي سبب من الأسباب، لما يترتب على ذلك من الإذلال والإهانة والفساد والقتل والشرور. ومعلوم أن الأئمة في أيديهم الولاية، لذا تجب طاعتهم.
قال الإمام أحمد رحمه الله: “ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان، بالرضا أو الغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية.”
ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق.
فلذلك كان المنهج الصحيح هو وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر، استناداً إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أوصيكم بالسمع والطاعة -يعني: لولاة الأمور- وإن تأمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف كأن رأسه زبيبة.” فقد أمر بالسمع والطاعة إلا في المعصية، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”، ولكن لا يجوز الخروج عليهم بالسيف أو نزع الطاعة منهم.
وأول من سنّ هذه الفتنة هم الخوارج الذين يخرجون على الأئمة، والمعتزلة الذين يبيحون الخروج، ويجعلون ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: “ولهذا كان المشهورُ من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.”
ويقول رحمه الله في السياسة الشرعية بعد أن ذكر الأثر: “إن السلطان ظِلُّ الله في الأرض.”
ثم قال: “ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل -رحمهما الله- وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان.”
إلى أن قال رحمه الله: “فالواجب اتخاذ الإمارة دينًا وقربة يُتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات.”
وقد قال صلى الله عليه وسلم: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلُّون عليهم ويصلُّون عليكم.” وقد جاء الأمر من الله سبحانه وتعالى بإيجاب طاعتهم في قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ.”
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال: دَعَانَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكانَ فِيما أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ.
فمذهب أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الخروج على الحاكم؛ فالأئمة وولاة الأمور الذين لهم الولاية العامة تجب طاعتهم ما لم يأمروا بمعصية، ويحرم الخروج عليهم لما يترتب على ذلك من المفاسد والفتن.
ويجب نبذ كل وسائل ودعاوى الخروج على الحكام، مثل دعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما فعلت المعتزلة، أو اعتناق مذهب الخوارج، أو دعوى التكفير أو حسدهم وبغضهم، أو خيانتهم، أو التعاون مع الكفار والأعداء ضدهم، أو التخابر ضدهم، أو الانضمام إلى الكيانات الإرهابية، أو تمويل الإرهاب، أو المساس بأمن الوطن أو تعريض وحدته للخطر، أو استباحة الدماء والأموال والأعراض، أو اعتناق المناهج الإرهابية، أو الإخلال بأمن المجتمع واستقراره.
كما يجب نبذ مذهب المبتدعة الذين يعتقدون أنه لا تجوز الصلاة خلف الأئمة حتى ولو كان الإمام أميرًا أو واليًا، فيعيدون الصلاة بعد صلاتهم خلفه، وهذا من التشدد والتنطع. فقد كان الصحابة يصلون خلف الأئمة والأمراء ولا يعيدون الصلاة.
وعلى كل حال، الشاهد من ذلك بعد كل ما أوردناه هو أن الخلاصة: أنه لا يجوز الخروج على حكام المملكة العربية السعودية مهما كانت الأسباب، فهم أئمة الهدى وأعلام من أعلام الإسلام الذين خدموا الإسلام ونصروه ودعوا إليه، وخدموا كتاب الله والحرمين الشريفين، ونشروا سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. والخروج عليهم هو مذهب الخوارج والمعتزلة والمبتدعة وأهل الضلال والفساد.
وكل من دعا إلى الخروج على أئمة الإسلام وقادة المملكة العربية السعودية فقتله واجب ودمه مستباح عند ولي الأمر إذا تبين حاله واتضح منهجه. وللحاكم قتله شرعًا، وهو العقاب الشرعي لكل من تسول له نفسه ارتكاب ذلك، قطعًا لشره وردعًا لغيره.
والدليل على ذلك ما ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن أتاكُمْ وأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ علَى رَجُلٍ واحِدٍ، يُرِيدُ أنْ يَشُقَّ عَصاكُمْ، أوْ يُفَرِّقَ جَماعَتَكُمْ، فاقْتُلُوهُ.”
وفي صحيح مسلم أيضًا: “إنَّه سَتَكُونُ هَنَاتٌ وهَنَاتٌ، فمَن أرادَ أنْ يُفَرِّقَ أمْرَ هذِه الأُمَّةِ وهي جَمِيعٌ، فاضْرِبُوهُ بالسَّيْفِ كائِنًا مَن كانَ.”
فالحكم الشرعي نص صريح واضح بوجوب قتلهم وإراحة المسلمين من شرورهم.
نسأل الله الكريم أن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار، ويحمي بلادنا وولاة أمرنا ومقدساتنا من الحاسدين والحاقدين والخارجين المارقين والأشرار المعتدين.
ونرجوه جلَّ في علاه أن يتم علينا نعمته وأن يزيدنا من فضله العظيم.
حفظ الله لنا ديننا ووطننا وولاة أمرنا، ونصرهم وأيدهم، إنه سميع مجيب.
أستاذ علم أصول الفقه – ورئيس جمعية التأصيل العلمي بمحافظة القنفذة.