على مرِّ التاريخ البشري لم تكن الإعاقةُ الجسديةُ عائقاً دون التميّزِ والإبداعِ، وتحقيق الذاتِ، وتقديم خدماتٍ جليلة للإنسانيةِ. فهناك الكثير من الشخصيات ممن أُصيبوا بأنواع من الإعاقات، ولكنهم وضعوا بصمتهم في مسيرة الفكر والحضارة الإنسانية، فعلي سبيل المثال:
كان (ابنُ عباس) -رضي الله عنه- كفيفاً، ولكنه كان حَبرَ الأمةِ وترجمان القرآنِ.
وكان (الترمذي) أعمى، ولكنه ترك لنا مُدَوَّنةً من أشهرِ مدوناتِ السنة النبويةِ.
وكان (الشيخ عبد العزيز بن باز) -رحمه الله- كفيفًا، لكنه يعد أحد كبار علماء السنة. قال عنه الشيخ الألباني: «هو مجدد هذا القرن». شغل مفتي عام المملكة، إضافة لرئاسته هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، والمجمع الفقهي الإسلامي، والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وكان مديرًا للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
ومنهم الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله-، الذي نشأ مكفوف البصر. تقلد سلك القضاء في عهد الملك عبد العزيز، واختاره الملك فيصل رئيساً للإشراف الديني على المسجد الحرام. في عام 1395هـ عيّنه الملك خالد رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء، وعضواً في هيئة كبار العلماء، ورئيساً للمجمع الفقهي، وعضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي. عُرف بسمعته العطرة، والحسنة. قال عنه الملك عبد العزيز مقولته المشهورة: «لو كنت جاعلاً القضاء والإمارة في يد رجل واحد لكان ذلك هو الشيخ عبد الله بن حميد».
وكان منهم الشاعر (أبو العلاء المعري) الذي أثرى كتب الأدب بقصائده المليئة بالصور الجميلة المعبرة. فقد بصره وهو ما زال في الرابعة من عمره إلا أن هذا الأمر لم يمنعه من تحصيل علمه؛ فنظم الشعر مبكراً، وأصبح من أبرز الفلاسفة والشعراء العرب.
وكان (أديسون) أصم، ولكنه أضاء الدنيا بكهربائه، وملأ العالمَ باختراعاتهِ التي كان لها أثر كبير على البشرية حول العالم.
واستطاع (روزفلت) أن يقود أمريكا في أصعب ظروفها خلال الحرب العالمية الثانية وهو على كرسيٍّ متحرك. ويعد أحد أعظم ثلاثة رؤساء أمريكيين إلى جانب جورج واشنطن وإبراهام لينكون.
وأتقنت (هيلين كيلر) أربعَ لغات، وحصلت على الدكتوراه، وألّفت كتباً، وهي التي فقدت سمعَها وبصرها في السنة الأولى من عُمُرِها!
وأخيراً (لويس برايل) الذي أضاء ظلام المكفوفين بابتكاره طريقة القراءة المعروفة باسمه، وقد كان مثلهم كفيفاً.
هذه كلُّها نماذجُ واقعية، لم يكونوا بأجساد معافاة تماماً، بل نماذج من ذوي الاحتياجات الخاصة، غير أن كلاً منها تؤكّد أن الإعاقة من حيث هي لا تحوِّلُ الإنسانَ إلى كائنٍ سلبيٍّ، وإنما الذي يفعلُ ذلك هو استسلامُهُ وانهزامُهُ الداخليُّ.