التقويم والاعتماد المدرسي.. جودة التعليم واستدامته (1)

يُعدُّ التعليم أحد مرتكزات التنمية المستدامة، فهو يُهيئ الأجيال للحياة ويُعدّهم ليكونوا مواطنين فاعلين يساهمون في نهضة مجتمعهم وتنميته. ويتطلب ذلك وعيًا بأهمية التعليم وضرورة نشره وتطويره وتحسين جودته، والاستفادة من التجارب الرائدة التي تجعل التعليم متماشيًا مع متطلبات العصر، بما يسهم في إيجاد متعلم قادر على البحث عن مصادر المعرفة المفتوحة وإنتاجها، لينمّي مهاراته وقدراته. تلك المهارات المصقولة تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والمواكبة للتقدم العالمي في مجالات التنمية، وفقًا لأهداف وقيم المجتمع ومبادئه.

وتُعدُّ المدرسة إحدى الوسائل الأساسية لتحقيق أهداف التعليم وتطويره من خلال توفير بيئة جاذبة ومحفزة للطلاب. لذا، ينبغي أن تكون المدرسة مستعدة للتغييرات المستقبلية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في ظل الانفتاح الثقافي والتقني، وتبني أهدافها وقيمها على أسس المجتمع ومعتقداته، وتقديمها بأسلوب يتناسب مع العصر وتوجهاته. ويتطلب هذا استشراف المستقبل وتخيل السيناريوهات المحتملة التي تساعد في التنبؤ بمواصفات مدرسة المستقبل ومعلميها ومناهجها، وطرق التعليم التربوية المستخدمة؛ مما يُحدث الفرق في المجتمع والأجيال. ومن هذا المنطلق، لابد أن تتميز مدرسة المستقبل بالإبداع، وأن تكون مكانًا لإنتاج المعرفة وتعزيز التفكير العلمي والنقدي.

كما ينبغي لمدرسة المستقبل أن تكون بيئة تعليمية ديناميكية، تُكسب المتعلم منظومة من الأخلاق والقيم المجتمعية وتتيح له مساحة للمشاركة والحوار واتخاذ القرارات التي تبني شخصيته وتكاملها.

يُعدُّ التقويم والاعتماد المدرسي أحد التجارب المثمرة في المملكة العربية السعودية، حيث يسهم في تطوير البيئة التعليمية وتحسين مخرجات التعليم وتشخيص الواقع، بهدف تطوير المدرسة في جميع جوانبها. وقد تبنّت هيئة تقويم التعليم والتدريب تقويم المدارس وفق مجالات متعددة، تشمل: التهيئة، الانطلاق، التقدم، والتميز.

تُصنَّف المدارس وفق أدوات ومعايير التقويم التي تشمل القيادة (الإدارة) المدرسية، التعليم والتعلم، نواتج التعلم، والبيئة المدرسية؛ فتبرز المدرسة كعنصر أساسي في تلك المجالات سواءً في مرحلة التهيئة أو التميز. ويُعدُّ هذا الأسلوب من التقييم ذا أهمية قصوى لتشخيص واقع المدارس بأسلوب علمي ودقيق، مما يتيح لصناع القرار رؤية واضحة للتطوير بناءً على نتائج التقويم.

يهدف التقويم المدرسي إلى نشر ثقافة التميز في مدارس التعليم العام، ودعم التطوير والتحسين للأداء وفق نواتج التعلم، وتشجيع الحلول المبتكرة والإبداعية داخل المجتمع المدرسي من أجل تطوير التعليم.

إن تقويم المدارس مسؤولية وطنية تعزز نجاحات التعليم ومبادراته، وتعمل على تأهيل أخصائيي التقويم وفق برنامج مهني يُؤهلهم لأداء دورهم بمنهجية علمية وموضوعية، لتعزيز فرص نجاح المدرسة في أداء رسالتها العلمية والتربوية. ويهدف ذلك إلى إعداد جيل قادر على اكتساب مهارات القرن الحادي والعشرين، والمنافسة في الاختبارات الدولية، ورفع اسم المملكة في المحافل العالمية.

الاستثمار في التعليم هو استثمار في الإنسان وتنميته، وإعداده ليكون عنصرًا فاعلًا في المجتمع. وهذا ما تؤكده رؤية السعودية 2030 التي جعلت التعليم من أولوياتها الرئيسية للتطور، بهدف تحقيق تعليم يسهم في بناء مجتمع مستدام.

عضو هيئة التدريس بجامعة شقراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى