✍️جمعان البشيري
إذا كنت قد أمضيت وقتًا مؤخرًا في متابعة برامج تلفزيون الواقع عبر “اليوتيوب “، فلا بد أنك سمعت عن برنامج “قسمة و نصيب”. لكن دعونا نكون صريحين هنا، قد يليق به عنوان “النصيب : بين الحب المدبر و الكرامة المهدرة ..! ”، حيث يبدو أن مفهوم العلاقات والزواج التقليدي قد تم تقليصه إلى مجرد لعبة فيديو أو بث عبر أحدى وسائل التواصل أو دراما هابطة مليئة بالمهام العاطفية المتهافتة والقرارات السريعة.
في “قسمة ونصيب” النسخة العربية يجتمع شابات وشبان من مختلف الوطن العربي في تجربة فريدة بحثاً عن الحب الحقيقي في نسخة مقلدة لنفس البرنامج بنسخته التركية حتى الدموع والدراما العاطفية مسروقة ومدبلجة من الأتراك مع سبق الأصرار والترصد ..!
وهي تجربة أشبه بمنصة المزاد العاطفي، حيث يقوم كل شخص بتسويق نفسه بأسلوب يشبه الإعلان عن غسالة في سوق الخردة حيث يقوم بنشر عواطفه واحاسيسه المرهفة التي تم غسيلها بقالب من الدراما المصطنعة.!
لينطبق عليهم قول الشاعر :
الناس صارت ما تخاف العقوبة
على الضماير ناصبين النصايب
يكفي بعضهم يفتخر في عيوبه
شفنا العجايب في زمان العجايب
خلاص ياقلبي عـن الحب توبه
دام الهوى كذبة و لعبة حبايب
بالطبع، هناك ابتسامات ساحرة ومواقف مفتعلة، وكلها تهدف إلى إقناع الجمهور بأن الحب يمكن أن يُبنى خلال 15 دقيقة من الحوار السريع..!
وهذا يذكرنا بقول الشاعر :
يامدور الحب مالك فالزمن قبله
الحب كذبه ولا أدري وش عواقبها
الحب ميت بموتة عنتر و عبله
والحب قد راح مع ليلى وصاحبها
خلال البرنامج ستشاهد حوارات بين المشتركين حول الهوايات المشتركة وأسماء الحيوانات الأليفة المفضلة، والأكلات والمشروبات المفضلة أي: كل نوع من العلاقات يستند إلى إجابات مثل : ” أنا أحب الأفوكادو .! ” و ”قطتي اسمها ميمي.! ” ؟
كل ذلك وأكثر تسويق بين الطرفين ، ومصيدة يقع فيها إلى الشوشة من يؤمن بها على قولة أخواننا المصريين ، والفنان محمد فؤاد في أغنية :” غرقان لشوشتي ومافي ماي”
يبدو أن الكاريزما اليوم تُقاس على مقياس عدد المتابعين على : “وسائل التواصل الاجتماعية ” و المفضلات و المكروهات لدى المشارك .!
الأمر لا يتوقف هنا، بل الأسوأ هو أن المشاركين في البرنامج يتعاملون مع العلاقات وكأنها بطاقة يانصيب، قد تكسب أو تخسر، لكن لا داعي للقلق، فكل شيء ممتع مادام التصوير مستمرًا، والجمهور يضحك، وعدد المتابعين في زيادة ربما تكون هذه “الدياثة”المعاصرة.! بالتنازل عن كرامتك على الهواء مباشرة في سبيل فرصة الفوز بـ”النصيب”، وإن كان ذلك النصيب يأتي مع تحذير:
“ إن المنتج قد يختلف عن الصورة”.
في الحلقات الماضية ، يتضح أن هدف البرنامج ليس الزواج أو العلاقات الحقيقية، بل إنتاج لحظات محرجة ودرامية، الرجال يتسابقون لإثبات الرجولة السطحية، والنساء يخضن المعارك المحمومة بسلاح الأنوثة المعلبة أو المفتعلة لكسب ود شخص ربما لن تتذكر اسمه بعد انتهاء الحلقة..!
لكن مهلاً.! كل هذا جزء من الترفيه، أليس كذلك؟ فالكرامة على الشاشة تُستبدل بالإعجابات والتعليقات اللاذعة.
وفي النهاية، بين “قسمة” العلاقات المعلبة و”نصيب” الشهرة المؤقتة المضروبة ، يبقى السؤال:
هل نحن بحاجة لمثل هذه البرامج حقًا؟
أم أننا بحاجة إلى إعادة تعريف “النصيب” بشكل لا يُهدر القيم الإنسانية على مذبح المشاهدات العالية؟