قبل أيام، وفي مدخل حارتنا رأيت مشهدًا كان قد تكرر أمام عينيّ للمرة الثالثة خلال حوالي شهرين، ها هي امرأة تسير أمامي في الشارع، تبدو مثقلة، تحمل طفلًا تسنده بيمينها على جانب من صدرها، وفي يدها الشمال تمسك بمعصم طفلها الآخر، الذي كان يخطو بصعوبة، ثم ظلوا يسيرون تحت الشمس الحارقة، في ظهيرة نهار رطب ودرجة حرارة تقارب الـ38
حدسي قال: إن هذه المرأة ضحية زوج مهمل …!
……
نفس المشهد تقريبًا رأيته مرتين وأنا في إحدى القرى، في أحدهما كانت امرأة تهبط من درج عمارة خطير مرتفع يفضي إلى الشارع العام، كانت تحمل رضيعًا بيد، وفي يدها الأخرى كانت تقبض على يد طفلها الثاني مخافة أن يهوي، بينما كان زوجها قد سبقها بهنيهة بسيطة إلى سيارته وفي يده مسبحة والأخرى هاتفه المحمول….!.
وظللت أسأل نفسي وأتساءل، هل هذا الذي رأيته هنا وهناك أمر عادي؟ .. أم أن الحكاية اختزال صريح وصاعق لداء (الحماقة)، حماقة رجل/ زوج لا يعرف كيف يحنو ويشفق على أطفاله وزوجته، وبالتالي فمصيبته أنه أحمق….! والأحمق في اللغة هو ناقص العقل وضعيف التصرف، ومن مرادفات الكلمة الأبله، التافه، الجاهل.
والواقع أن (بعض) بنات الحمائل يحدث أن يقذف بهن الزمن بين يدي رجل من هذه الشاكلة، زوج سخيف سفيه، وتظل الواحدة منهن كالمسكينة، تتحامل على نفسها وتلوذ بالصبر، وتقوم بدور الأم والأب معًا، لأن بنت الحمائل إنما هي بنت أصول تحمل إرث أسرتها وتصونه، وتضيف له أبعادًا إنسانية وأخلاقية وسلوكية حميدة.
لكن إلى متى تظل صابرة …..؟
…
مشكلة بعض الأزواج أنه لم يستوعب النقلة الحضارية للحياة ومتغيرات الواقع، والسبب جمود عقله وضعف رؤيته وانحباسه في مثالب سلبيات الماضي، فما زال يرى نفسه (سي السيد) الزوج الديكتاتور المتسلط أو الأبله، وفي الوقت ذاته فهو مؤمن بأن زوجته أقرب ما تكون لـ جارية عنده. وبالمناسبة فـ(سي السيد) أبدعها عميد الرواية العربية نجيب محفوظ في ثلاثيته الرائعة، ومنحها الفنان يحيى شاهين على الشاشة حضورها الشعبي .
…
كل ما تقدم طاف في عقلي وأنا ما زلت في سيارتي، وفي اللحظة تناهت إلى مسمعي نشرة الأخبار عبر الراديو، وفي ثناياها خبر عن دولة (جزر سليمان) استوقفني الاسم الذي لم أسمع به من قبل، قلت لنفسي: “ما أجهلك” وإذ بتلك الدولة الجزرية – بحسب الشيخ جوجل – تقع في المحيط الهادي ويصل عدد سكانها إلى ثلاثة أرباع المليون، معظمهم مسيحيون، ويتحدثون 75 لغة، ومساحتها توازي مساحه محافظة الدوادمي.
…
أعود لتسلسل موضوعي وأقول إنني تذكرت في تلك الظهيرة أنني على موعد مع الرفاق لنعود زميلًا لنا مريضًا في بيته، وأنه يتعين عليّ أن أشتري قبل صلاة المغرب بوكيه/باقة ورد، جريًا على ما درج عليه الناس، والواقع أن الورد أجمل هدية حتى في الأفراح كذلك، كتقدير واحترام لمن يُهدى له.
ولقد سجّل التاريخَ لـ”الطائف” أنها مدينة الورد الأشهر على مستوى العالم، ومن اللطائف والجماليات في إهداء الورد – وبحسب “سبق”- ما قاله محمد حلواني وهو من عائلة “الحلواني” التي اشتهرت بالورد وصناعته،: “جدنا عبدالوهاب حلواني كان أول من أهدى الورد الطائفي للملك عبدالعزيز، والملوك سعود وفيصل – رحمهم الله”.
….
وأخيرًا ….
فقد قفزت لذاكرتي مسألة لا أعتقد أنها تغيب – والحديث ما زال هنا عن الورد – إذ كيف أنساب الورد أريجًا فواحًا من حنجرة “صوت الأرض” الموظف ببريد الطائف الشاب اليتيم النحيل، الفنان الكبير الراحل طلال مداح، فأطرب الكثيرين وما زال وهو يترنم بها منذ عام 1960 … مرددًا:
(وردك يا زارع الورد، فتّح ومال ع العود
كلك ربيـع الورد، منك الجمال موعود).
0