ان المسافة بين تواريخ حدوث الاكتشافات والاختراعات ضاقت فجوتها حاليا عما كانت عليه في الماضي، فبينما استغرق الامر قرونا للانتقال من عصر الزراعة الى عصر الصناعة، فإننا نعيش الآن في ضوء اكتشافات واختراعات لا يفصلها عن بعضها إلا بضعة أعوام.
من أجل ذلك فإن التنبؤ بفقدان الملايين من الناس حول العالم لوظائفهم نتيجةً للاكتشافات والإختراعات والتي من أهمها “الذكاء الإصطناعي” أمر محتمل وجدِّي.
السؤال: كيف سنُعّرِف احتياجات سوق العمل الجديدة من المخرجات الجامعية؟ يجب التفكير في كيف يمكن أن يكون لدينا طبيب يعرِف الكثير حقاً عن البيانات؟ كيف يمكن أن يكون لدينا اختصاصي في الأحياء يعرف الكثير عن الطب؟ كيف يمكن أن يكون لدينا خريج يحمل مهارات بجانب تخصصه الرئيسي ؟ علينا أن نخلق مساحة كبيرة تتيح للطلاب في المدارس والمعاهد والجامعات السعودية من التدبر والتفكير لإنتاج أفكار جديدة متنوعة وابتكارية.
بالتأكيد، نحن نحتاج إلى (تعليم) جديد، نحتاج (لمناهج) جديدة، نحتاج إلى طرق (تدريب) جديدة، والأهم من ذلك كله، نحن نحتاج بشدة أكثر إلى (معلم) جديد يتولى بناء المواطن؛ فالدولة -أعزها الله- لم تقصر في دعم المواطن وبناء الوطن.
لا يزال في الذاكرة عند زيارتي لإحدى جامعاتنا، ولقسم الإحصاء بحكم التخصص، وجدت أن ما يدّرَس هو نفس ما كانت أقوم بتدريسه لطلابي منذ أكثر من عقدين ونيف من الزمان.
إن المتتبع لرحلة الجامعات السعودية منذ بدايتها، يجد أن مرحلتها الأولى كانت تسمى بمرحلة (التعليم بالحفظ والتلقين) لأن الأمية كانت نسبتها عالية في تلك الفترة، لذلك كانت المناهج يغلب عليها الطابع النظري، بعدها بداءة مرحلة إضافة الكثير من التخصصات العلمية، وسميت بمرحلة (التمكين)، وهي تمكين الشباب السعودي من الخدمة في وظائف الدولة المختلفة التي كان يعمل بها من غير أبناء الوطن،
و المرحلة الأخيرة فكانت مرحلة (التدشين) أو ما يعرف بتدشين الأبحاث المنتجة وريادة الأعمال وأودية التقنية وتعليم الذكاء الإصطناعي وغيرها.
أما الآن فإننا نعيش عصر الجامعات العظيمة كما وصفها عالم الاجتماع الأمريكي الأستاذ في جامعة كولومبيا “جوناثان كول” في كتابه بعنوان (جامعات عظيمة)، قال: “لم يعد دور الجامعات العظيمة تخريج متعلمين؛ بل تخريج مجموعة من العلماء والمفكرين والمكتشفين”.
بمعنى أن دور الجامعات الآن ليست كما كان عليه في بداية تأسيسها؛ فعليها تعليم طلابها التفكير الذاتي، أن تحثهم وتشجعهم على الاهتمام بالعلوم، والتكنولوجيا الرقمية التي لها القدرة على تغيير النتائج وتمكين الطلبة من خلق مناخٍ إيجابي يساعد على الإبداع والتميز.
وأختم مقتبسا من مقدمة كتاب أبو القنبلة الذرية وثالث رئيس للهند البرفسور “زين العابدين أبو الكلام” بعنوان (أجنحة من نار):
(لقد تقاتل الناس تاريخياً فيما بينهم من أجل قضية أو أخرى، كانت الحروب في الماضي تندلع على الغذاء والملجأ، وبمرور الزمن أصبحت تندلع بسبب المعتقدات والأديان، وحالياً تدور رحى الحروب على العلم والتقدم المعرفي). انتهى الاقتباس.
0