المقالات

دباب العزبة .!

✍️ جمعان البشيري 

في زمنٍ ليس ببعيد، كنا نتابع مغامرات أبطال النينجا الشجعان الذين يتنقلون في الخفاء، ويعبرون بين المباني بمهارة فائقة، ويختفون دون أن يُلاحظوا كان أبطال النينجا يملكون قدرة على الظهور والاختفاء في لمح البصر، لتنفيذ مهامهم بدقة لا مثيل لها. ولكن في عصرنا الحديث، يبدو أن النينجا قد تخفوا في شكل آخر، بل أُعطي لهم لقب جديد: “دباب العزبة ” للتوصيل..!

في مشهد يكاد يصبح جزءًا من حياتنا اليومية، نرى تلك “الدبابات” الصغيرة وهي تجوب شوارع المملكة بحماس لا يتزعزع، وكأنها تخوض سباقًا في بطولة الفورمولا! مع ازدياد انتشار خدمات التوصيل الفوري، تزايدت أعدادها في الشوارع بشكل ملحوظ، يقودها عمالة وافدة – غالباً غير نظامية – تتجاوز أنظمتنا المرورية، كما تتجاوز السرعة المسموح بها في سباق الجائزة الكبرى..!

الحقيقة أن هذه الدبابات ليست مجرد وسيلة توصيل فقط، بل تحولت إلى ساحة مفتوحة للفوضى المرورية؛ حيث تجوب المسارات كما يحلو لها، تقتحم الشوارع بسرعة عالية، وتحول الممرات الضيقة إلى حلبات سباق، غير مبالية بسلامة الركاب أو المشاة، وهم يرتدون خوذات صغيرة وأقنعة لتغطية وجوههم، وكأنهم في مهمة سرية، على طريقة أبطال النينجا،

وفيما يحاول رجال المرور ضبط الأمور، تتعقد المشكلة بوجود سائقين من العمالة السائبة التي أصبحت تتحكم في هذا القطاع العشوائي.لا يعرفوا الفرق بين الاتجاهات المرورية أو قواعد السلامة، يحاولون الوصول إلى العميل بأسرع وقت، للحصول على عمولة توصيل ” العزبة “حتى لو تطلب ذلك المرور القفز فوق الأرصفة، أو تجاوز الإشارات الحمراء..!

ولا يتوقف الأمر عند المخالفات المرورية؛ فثمة مخاوف أكبر من احتمالية استغلال هؤلاء السائقين لهذه الدبابات في نشاطات مخالفة للقوانين، من توزيع البضائع غير المرخصة إلى نقل الممنوعات، في ظل غياب الرقابة الكافية على هؤلاء. وكأن الشوارع أصبحت مليئة بسعاة بريد لا نعلم ما الذي قد يحملونه لنا في صناديق توصيلهم السوداء..! مثلما كان النينجا يحملون حقائبهم المليئة بالمفاجآت، فإن صناديق التوصيل المغلقة على الدبابات تُثير الفضول ..!  من يدري ما الذي بداخلها؟ ربما طلبية عشاء؟                      أو… شيء آخر؟

لا نستطيع التأكد، تماماً كما كان من المستحيل كشف أسرار حقيبة أبطال النينجا.!

ومن المفارقات أن هذه الفوضى لم تقتصر على أحياء معينة،بل تسللت إلى كل شارع وزقاق؛ حتى الأحياء الراقية لم تسلم من غزو “دبابات التوصيل”. ناهيك عن التصادمات اليومية والمواقف الطريفة التي قد يختلق فيها أبطال ” دباب العزبة ” حادثة ارتطام بسيارة واقفة عند الإشارة والمضي قُدما في إكمال المسرحية والتحايل بسقوط على الأسفلت أو الرصيف مع تمثيل شيء من الأغماء والأنين المتواصل.! تحايلاً للحصول على تعويضٍ مالي ، حتى أصبح الأمر جزءاً من ثقافة اولئك السائقون ؛ بل أصبحت من يوميات سكان المدن ، والذين لا يملكون سوى الابتسام بسخرية .!

إذاً، في ظل هذا الانتشار الجنوني للدبابات، هل يجب أن نفكر في إيجاد حلول أكثر فعالية، كالرقابة المشددة والتدريب على السلامة المرورية، أم نحتاج لمراجعة كاملة لسياسات التوظيف والتسليم السريع ؟

ربما نحتاج كذلك لرفع وعي المجتمع بمخاطر استغلال هذه الدبابات لأغراض مشبوهة.!

إلى ذلك الحين، نترك الأمر مفتوحًا.. وسنواصل مشاهدة هذه الدبابات، التي تحولت من مجرد وسيلة نقل إلى شبح مرعب، يقتحم الشوارع بسرعة البرق، ليصبح مشهدًا لا يُنسى في حياة كل مواطن سعودي!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يا سلام عليك استاذ جمعان.

    تحليل وكلام مختصر مفيد.

    تحياتي. اخوك ابو راكان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى