تأتي القمة العربية الإسلامية التي دعت المملكة إليها في الرياض اليوم في ظروف دقيقة ومفصلية، وعلى قدر كبير من الأهمية القصوى لوضع حد للمآسي الدامية التي شهدتها غزة ويغرق فيها لبنان الآن.
كما تأتي في وقت تتم فيه التحضيرات بقوة لمجيء إدارة أمريكية جديدة برئاسة (ترامب)، وذلك بهدف توحيد المواقف العربية والإسلامية واستثمار جميع الفرص المتاحة لتحقيق سلام دائم وشامل في المنطقة، لما فيه خير دولنا وشعوبنا ومستقبل أجيالنا.
تأتي هذه القمة اليوم بعد سلسلة من الجهود والاتصالات التي قامت بها اللجنة العربية والإسلامية المُشكلة في قمة الرياض الأولى بتاريخ 11 نوفمبر 2023، والتي قامت برئاسة المملكة بجولات واسعة على عدد من دول العالم، واجتمعت ببعض المنظمات الدولية والأممية في إطار جهودها الرامية إلى إيقاف العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة ولبنان. وقد أثمرت هذه الجهود عن تشكيل تحالف دولي مكون من عدد كبير من دول العالم للعمل على تنفيذ حل الدولتين، وما أسفر عنه اجتماعهم الأول في الرياض نهاية الشهر الماضي عن رؤى وتصورات من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق السلام العادل في المنطقة.
وعندما يجتمع القادة العرب والمسلمون اليوم بالرياض، تجاوبًا مع دعوة المملكة للوقوف على نتائج سلسلة الاتصالات التي أدارها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وتابعها سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، فإنهم لا بد أن يخرجوا بنتائج ذات أهمية كبيرة لوضع حد للجرائم الإسرائيلية الشنيعة والأطماع التوسعية، ورسم طريق المستقبل لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، وهو الهدف الذي تسعى المملكة بقوة إلى تحقيقه، وتجمع صفوف الأمة من أجله بعد تفرقها، وتحمل المسؤولية المشتركة لقادة الأمتين العربية والإسلامية، وتوجيه الطاقات لما فيه خير دولنا وشعوبنا.
لهذا، يمكن القول إن هذه القمة التاريخية ستكون على درجة كبيرة من الأهمية لحشد طاقات الأمتين وتوظيفها في الاتجاه الصحيح، واستثمارها في البناء والحفاظ على أرواح الشعوب، وإيقاف نزيف الدم، وصناعة المستقبل لدولنا وشعوبنا كافة.
ذلك، بكل تأكيد، يحتاج إلى وحدة الصف ووضع حد للاختلافات وتباين المواقف، وتغليب إرادة السلام. كفى استنزافًا لمقدرات الأمة ومكتسباتها، ولنتجه نحو المستقبل بالحد الأعلى من التعاون والبناء على المشتركات، والحيلولة دون مسببات الانقسام والفرقة. وعلينا السعي بمسؤولية إلى توحيد كلمة أبناء فلسطين وتضافر جهودهم وقواهم لما فيه خير الشعب الفلسطيني، والحفاظ على ترابط مصالحهم وجهودهم في خدمة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وإذا تحقق هذا الهدف العظيم من وراء هذه القمة المفصلية، ووضع الإخوة الفلسطينيون يدهم في يد بعض، والتزمت دولنا بما يحقق هذا الهدف وتبنته، فإننا نستطيع فرض إرادتنا ليس فقط على الإسرائيليين، وإنما على كل من يسعى إلى استغلال تفرقنا لإبقاء منطقتنا في حالة حرب دائمة، تقود إلى زعزعة صفوفنا وتمكين الأعداء من السيطرة على مقدراتنا، مستفيدين من حالة التفكك وتضارب المصالح وتعارض السياسات بين دولنا، مما يضر بشعوبنا، ويمكّن العدو من تحقيق أهدافه ومخططاته على حسابنا. وعندها نكون – لا سمح الله – قد خسرنا كل شيء.
لذلك، أقول: إن هذه البلاد، قيادةً وشعبًا، تتطلع إلى أن تحقق هذه القمة إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق، وذلك باستغلال الوقت وتوظيف الظروف الحالية المواتية، ووضع حد لكل ما من شأنه تمكين عدونا منا بسبب تباعد مواقفنا وتغليب مصالحنا الفردية الضيقة على حساب مصلحة الأوطان والشعوب المتضررة في النهاية.
ورغم دقة الظرف وحساسية المرحلة، إلا أنني أشعر بالتفاؤل بأن القادة العرب والمسلمين سوف يخرجون من هذه القمة بما يثلج صدورنا جميعًا، ويجعلنا أكثر تفاؤلًا بأن المستقبل لنا، في ظل غلبة التفكير الموضوعي في التعامل مع المرحلة القادمة، بدرجة أعلى من العمل الجماعي، ونقل منطقتنا من حالة الدمار الحالية إلى حالة الأمان والاستقرار والسلام، وبناء المستقبل الأفضل لما فيه خير الجميع.