تأتي القمة العربية – الإسلامية التي انعقدت اليوم في الرياض بهدف “بحث استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ولبنان، بما يهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وتتزامن القمة مع تكثيف قوات الاحتلال الإسرائيلي لحربها الإبادة الجماعية وتدمير كل وسائل الحياة الإنسانية في شمال غزة، واستخدام التجويع كسلاح في هذا العدوان الذي يخالف كل القوانين والأعراف الدولية. وتأتي هذه القمة بعد عام بالتمام من القمة العربية – الإسلامية التي انعقدت العام الماضي، لتؤكد مجددًا على الجهد الذي تبذله المملكة العربية السعودية من أجل دعم قضايا الأمة، ورفض وإدانة العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وجنوب لبنان. والمملكة التي استنت عقد القمم العربية – الإسلامية ضمن رسالة تهدف من خلالها إلى توحيد الكلمة للأمة العربية والإسلامية في وجه التحديات التي تواجهها، إنما تثبت من خلال هذه الآلية على ريادتها للعمل العربي – الإسلامي المشترك من أجل مواجهة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها ، وأن هذه الأمة تتحدث بصوت واحد في ما يتعلق بفلسطين.
ولابد من الملاحظة هنا إلى أن عقد القمم ، عربية أم إسلامية أم عربية / إسلامية في المملكة العربية السعودية يكتب لها النجاح حتى قبل عقدها لما تتمتع به المملكة من مكانة واحترام بين أشقائها من دول العالم العربي والإسلامي، إلى جانب ما تكتسبه تلك القمم من أهمية على المستوى العالمي على اعتبار الرياض إحدى عواصم القرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. وللتذكير فإن من أهم قرارات القمة العربية – الإسلامية السابقة حث المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وعضوية وزراء خارجية فلسطين والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا لبدء تحركات دولية واسعة للتوصل إلى “حلول جادة توقف التصعيد وتحقق السلام الشامل”، من خلال إجراء جولات دبلوماسية تشمل عواصم مؤثرة على المستوى الدولي، لا سيما دول مجلس الأمن الدولي، وقد أسفرت جهود هذه اللجنة عن اعتراف العديد من الدول بالدولة الفلسطينية (إسبانيا وايرلندا والنرويج)، وصدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.
وينبغي التأكيد هنا إلى أهمية الجهد السياسي والدبلوماسي الذي تبذله المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، عبر تلك القمم، إلى جانب دورها ومواقفها المؤثرة في الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ودول مجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وحركة عدم الانحياز، هذا الدور يعتبر عامل قوي في دعم القضية الفلسطينية وإبقائها حية في ضمير ووجدان العالم، والتصدي لمحاولات إسرائيل تغييب تلك القضية من خلال سياسة التهويد والإبادة الجماعية وسياسة الترانسفير وإماتة حل الدولتين. أهمية أخرى للقمة العربية – الإسلامية الطارئة أنها جاءت بالتزامن مع إطلاق سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والذي التئمت أولى اجتماعاته أواخر الشهر الماضي، وهو ما يعكس إصرار المملكة على الوصول إلى حل نهائي وعادل وشامل للقضية الفلسطينية استنادًا إلى القرارات والمرجعيات الدولية، وفي مقدمتها حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام، وهو ما يتوافق حوله المجتمع الدولي بأسره.
تركيز سموه في جدول أعمال القمة على النقاط الرئيسة مثار بحث قادة وزعماء الأمة العربية والإسلامية يثبت أن سموه رجل عملي يهتم بالأعمال وليس بالأقوال، وهو ما أتضح في كلمته في افتتاح القمة بإعلانه بالمختصر المفيد على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، وحصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وتنفيذ رؤية حل الدولتين، ووقوف المملكة الكامل مع الشعبين اللبناني والفلسطيني، وشجب المملكة لمنع وكالة الأونروا من تقديم أعمالها الإغاثية في الأراضي الفلسطينية، داعيًا إلى تسهيل مهامها الإنسانية.
هدف القمة العربية – الإسلامية كما جاء في البيان الختامي للقمة الذي تضمن أكثر من 35 بندًا ووفق ما أعلنه معالي وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في المقام الأول هو وقف الحرب، واستكمال الجهود المبذولة في وضع حد للجرائم الإسرائيلية، في ظل استمرار العدوان، وعدم السماح للمجتمع الدولي بالتغاضي عن جرائم إسرائيل، ودفع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف صارم إزاء إسرائيل وإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، والتأكيد على إنه لا حل عسكريا للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والحل الوحيد هو حل الدولتين “الذي يجد إجماعًا كبيرًا من المجتمع الدولي”.
لقد أثبتت القمة العربية – الإسلامية أن هناك إجماعًا عربيًا إسلاميًا إفريقيًا على دعم القضية الفلسطينية وتأييد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها إقامة دولته الحرة المستقلة على حدود 67 بعاصمتها القدس الشريف، وأن هذا الإجماع يجدد الأمل بإمكانية التوصل إلى حل يحقق للشعب الفلسطيني آماله في الحرية والاستقلال، وأن المملكة تواصل مساعيها وجهودها بهذا الصدد من أجل تحقيق هذا الهدف الذي يعتبر الضمانة الوحيدة للاستقرار والأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط. القمة العربية – الإسلامية من هذا المنطلق تعتبر حلقة جديدة في حلقات الجهود السعودية المتواصلة منذ عهد القائد المؤسس الملك عبد العزيز – يرحمه الله- في تأييد ودعم الحق الفلسطيني والانتصار للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية الأمة المركزية.
0