اجتمعنا عند صديقنا فلان، الذي قدم لنا براد شاي -قلبه عليه يشكي- فهو ليس كالشاي في هذه الأيام، حيث أفضل ما يمكن وصفه به هو “سكر في مويه”. أين ذلك المزاج عندما كانت “ببالة الشاي” لها طقوسها، من تسخين الماء وتلميع الفناجين حتى تبرق من نظافتها ولمعانها؟ ثم يوضع الماء في البراد، وتُضاف له كمية من الشاي الأصلي المتعوب عليه، وتنتظر حتى يخدر على مهل. وعندما يصل الشاي إلى “البيالة”، تتغنى بنقاوته وطعمه، ويزداد جمالًا بحمرته التي تشبه حمرة وجنات ذات خدر من الخجل.
كان أخونا علان من الحضور، وبدأ يحدثنا عن رحلته إلى أمريكا، ثم قال: “ترى يا جماعة، أنا ناوي أقسم وقتي بين جدة وفلوريدا.” قلنا له ممازحين: “شكلك ناوي تجاور ترامب!” فضحك وقال: “بطلوا بهللة.” ثم سألناه كيف سيسكن هناك، فرد قائلاً: “هنا مربط الفرس.” فأجبناه: “طيب، أنت عندك فرس في فلوريدا!؟”
قال دعونا نتكلم بجدية: “عندما نسافر والعائلة إلى فلوريدا، نسكن في بيت نستأجره لمدة شهر أو شهرين، بحكم أننا عائلة كبيرة، وليس كل مرة نجد نفس البيت متاحًا. هذه المرة كان لنا جار أقام احتفالًا بمناسبة خاصة ودعاني، وأثناء الحديث أخبرني أنه سينتقل إلى ولاية أخرى بسبب العمل. فسألته عن البيت، فقال إنه سيعرضه للبيع. فرديت عليه تلقائيًا إنه بيت جميل، فتمنيت لو كان لدي المال لشراءه، فكان رده: ما تحتاج مال إذا لك رغبة. قلت له: كيف؟ قال لي: غدًا نلتقي في البنك إذا كنت جادًا. فذهبت، وفعلاً اتفقنا في البنك وتمت الصفقة خلال ساعات، وأصبح المنزل لي، ومرهون للبنك رغم أنني لست مواطنًا أمريكيًا.”
تعجبنا من سهولة الإجراءات هناك، فتداخل أحد الحضور قائلاً: “مع الأسف، لي تجربة مع البنوك هنا بخصوص قرض السكن. الدولة، رعاها الله، وبمتابعة ودعم من سمو ولي العهد، اهتمت بالسكن وأوجدت الدعم الحكومي، ورفعت القرض من 300 إلى 500 ألف ريال، وبدون فوائد، حيث تتحملها الدولة. لكن عند الوصول إلى البنك، تواجهك طلبات معقدة، إضافةً إلى الوقت الذي يضيع في المراجعات. وبعد كل هذا، يصرف لك البنك الدفعة الأولى، 150 ألف ريال، ويطلب منك إنجاز ما يكلف 300 ألف قبل أن يفرج عن باقي الدفعات. وبسبب عجز المواطن عن تدبير 150 ألفًا من جيبه، الذي هو مجرد منظر لحفظ مفاتيح السيارة التي على قد الحال. ويضطر للاستدانة إذا كان محظوظًا ووجد من يسلفه، أو يتوقف ويصبح عاجزًا عن إتمام المشروع. والدعم الحكومي محتجز في البنك؟!
تابع قائلاً: “الدولة قدّرت هذه الظروف ووفرت المبالغ ورفعت قيمة القرض، ولكن البنوك تحتاج إلى التماشي مع عصر الرؤية وسرعة الإنجاز. المواطن بالكاد يفرح بما تقدمه الدولة، ليجد نفسه يواجه عقبات البنوك وروتينها العقيم.
أيتها البنوك، لديكم مئات المهندسين، دعوهم يمرون بين الحين والآخر ليتأكدوا من سير العمل. وعند إنجاز مرحلة، اصرفوا للمقترض دفعة، ولا تجعلوا العقدة في المنشار عادة.”
لم نقل أصرفوا الـ300 ألف دفعة واحدة، وإن كان هذا حلًا مطروحًا، لكن سايروا تطلعات القيادة التي تسعى لدعم المواطن في تملّك السكن. كونوا عونًا بتسهيل تنفيذ الأنظمة بروح إيجابية ومرونة، فلا يموت الذئب ولا تفنى الغنم. إنها مهمة عظيمة لها تأثير كبير في حياة المواطنين، فلا تجعلوها همًّا بعد أن كانت انفراجة.” فهل من مستمع؟ وهل من مستجيب؟