إنَّ الإنسانَ يولدُ في هذه الحياةِ، ويقضي فيها عُمُراً، ثمَّ يُغادِرُها؛ لأنَّ الله َعزَّ وجلَّ لم يكتُبِ الخلودَ لبني الإنسانِ، بلْ جعَلَ لهم أعماراً وآجالاً تطولُ وتقصُرُ، ولكنَّها تَفْنى في النِّهايةِ وتنقضي.
وإنَّما الذي يَبْقَى من الإنسانِ بعد رحيلِهِ عَمَلُهُ الصالح وذِكْرُهُ الحسنْ، فَالذِكرُ للإنسانِ عمر ثانٍ..
يبقى له العملُ الذي تثقُلُ بِهِ موازينُهُ، ويستمرُّ به عَدَّادُ الحسناتِ في الحسابِ. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملُهُ إلا مِنْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو عِلْمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له).
ويبقى له أيضاً الذِّكْرُ الحسنُ الذي تلْهَجُ به الألسنةُ، وتردِّدُهُ القلوبُ حمداً وَثَناءً وَدُعاءً.
وصدق عُرْوَة بْنْ اَلْوَرْدْ، حينَ قَال:
أحاديثَ تَبقى والفَتَى غَير خالد… إذا هو أمسى هامةً فوقَ صُيّر
ووردَ أن رَجلٌ أوصىَ بَنِيهِ، فقال:” يا بنيَ عَاشِروا الناسَ معاشرةً إن غِبْتم عَنهم حَنوا إليكم، وإن مُتّم بَكوا عَليكم”.
وقد أَحْسَنَ أميرُ الشعراءِ شوقي حينَ أطْلَقَ حِكْمَتَهُ البليغةَ:
وَخُذْ لكَ زَادَيْنِ مِنْ سِيْرةٍ … ومِنْ عَمَلٍ صالحٍ يُدَّخَرْ
وكُنْ رَجُلاً إنْ أَتَوا بعدَهُ … يقولونَ مَرَّ وهذا الأَثَرْ
والنَّاظرُ في السِّيَرِ والتَّواريخِ لا يجدُ أجدَرَ بحَمْلِ هاتينِ الفضيلتينِ: فضيلةِ استمرارِ العملِ الصالح، وبقاءِ الذِّكْرِ الحسن.
دعاني للكتابة دعوة وفاء وتكريم غير مستغربة تلقيتها من أخي الكريم الأستاذ الدكتور عادل بن محمد أبو زنادة رئيس جامعة الملك فيصل بالأحساء، لحضور حفل الجامعة لتكريم رئيسها السابق أخي الكريم معالي الأستاذ الدكتور محمد بن عبد العزيز العوهلي نظير الذكر الحسن الذي تركه بعد مغادرته منصب رئاسة الجامعة، و كذلك للجهود الكبيرة التي قام بها معاليه في خدمة الجامعة ومنسوبيها خلال فترة رئاسته لها، والارتقاء بجامعة الملك فيصل بالأحساء إلى مصاف الجامعات العالمية العظيمة، تلك التي مخرجاتها من الموهوبين والمبتكرين.
وأختم بالدعاء لأخي الكريم معالي الدكتور محمد بن عبدالعزيز العوهلي بأن يجعل كل ما قدمه خدمة للتعليم العالي بالمملكة عون له على الطاعة، والشكر لأخي الكريم الوفي سعادة الأستاذ الدكتور عادل بن محمد أبو زنادة على هذا الوفاء والتقدير الغير مستغرب لسلفه في الموقع ، وصدق الشاعر حين، قال:
عش ألفَ عامٍ للوفاءِ وقلما…ساد أمرؤٌ إلا بحفظِ وفائهِ