إن استضافة المملكة العربية السعودية لكأس العالم 2034 ليست مجرد حدث رياضي، بل هي تجسيد لرؤية مستقبلية طموحة تسعى من خلالها المملكة لتحقيق التنمية الشاملة والازدهار. هذا الحدث العالمي يعكس تطور المملكة في مختلف المجالات، ويمثل فرصة لتعزيز مكانتها الدولية في السياسة والاقتصاد والثقافة والإسلام.
تأتي استضافة السعودية لكأس العالم في إطار رؤية 2030 التي أطلقها سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله –. هذه الرؤية تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي والابتعاد عن الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب استثماراً في قطاعات جديدة، بما في ذلك الرياضة والسياحة والترفيه. ومن خلال استضافة كأس العالم، تسعى المملكة لجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث توفر البطولة منصة مثالية لعرض الفرص الاستثمارية في المملكة وتعزيز الثقة لدى المستثمرين الأجانب في الاقتصاد السعودي.
السياسة تلعب دوراً حاسماً في تحقيق هذا الإنجاز الكبير. القيادة السعودية قامت بتبني سياسات خارجية متوازنة تهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والعالم. هذا التوجه السياسي عزز من مكانة المملكة كشريك دولي موثوق به قادر على تنظيم حدث رياضي عالمي بهذا الحجم. بالإضافة إلى ذلك، العلاقات الدبلوماسية المتينة التي أقامتها المملكة مع الدول الأخرى ساعدت في كسب الدعم والتأييد لاستضافة كأس العالم. الدبلوماسية الرياضية أصبحت جزءاً من استراتيجية المملكة لتعزيز العلاقات الدولية والترويج للثقافة السعودية على الساحة العالمية.
الجهود الدبلوماسية للمملكة لم تتوقف عند حد إقناع العالم بقدرتها على استضافة هذا الحدث العالمي، بل امتدت لتشمل تعزيز التعاون الدولي في مجال الرياضة. المملكة عملت على توقيع العديد من الاتفاقيات الرياضية مع مختلف الدول، وأقامت العديد من الفعاليات الرياضية الدولية على أرضها، مما أظهر للعالم استعدادها الكامل لتنظيم كأس العالم. فعلى سبيل المثال، استضافت السعودية سباق فورمولا 1 لأول مرة في مدينة جدة في ديسمبر 2021، وهو يعد من أهم سباقات السيارات على مستوى العالم، مما يعكس استعدادها لتنظيم أحداث رياضية كبرى.
بالإضافة إلى ذلك، استضافت المملكة رالي داكار منذ عام 2020، وهو واحد من أصعب وأشهر سباقات التحمل في العالم، مما يعزز من مكانتها في الساحة الرياضية الدولية. كذلك، استضافت المملكة كأس السوبر الإسباني لأول مرة في مدينة جدة في يناير 2020، ثم في مدينة الرياض في الأعوام التالية، وكأس السوبر الإيطالي في مدينة جدة في يناير 2019، وفي مدينة الرياض في ديسمبر 2018، مما يعكس مدى التعاون الرياضي والدبلوماسي بين المملكة والدول الأوروبية.
علاوة على ذلك، نظمت المملكة بطولة العالم للأندية لكرة اليد في مدينة الدمام في عام 2019، وأقامت عدة فعاليات لمصارعة المحترفين WWE ، بما في ذلك “كراون جول” و”سوبر شو داون”. كما استضافت محافظة الدرعية أول سباق للفورمولا إي في الشرق الأوسط في ديسمبر 2018، وتستمر في استضافة هذه السباقات سنوياً، مما يعزز من التفاهم والتقارب الثقافي من خلال الرياضة. وأيضاً، يعد كأس السعودية للفروسية من أغلى سباقات الخيل في العالم، وأقيم لأول مرة في مدينة الرياض في فبراير 2020، مما يعكس التزام المملكة بتطوير رياضة الفروسية.
وفي إطار تعزيز العلاقات الرياضية مع الدول العربية، أقامت السعودية عدة مباريات ضمن كأس السوبر السعودي المصري، مما يعزز من التعاون الرياضي بين المملكة ومصر. كما تُقام بطولة الجولف السعودية الدولية سنوياً منذ عام 2019 في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، واستضافت السعودية عدة مباريات ودية بين فرق عالمية في كرة القدم، بما في ذلك مباريات الأندية الإسبانية مثل برشلونة وريال مدريد، وأيضاً مباريات الأندية البرازيلية والأرجنتينية.
كما أستضافت المملكة نزالًا بين أبطال الملاكمة تايسون فيوري وأولكسندر أوسيك في فبراير 2024، والذي يعد من أكبر نزالات الوزن الثقيل عالميًا. وأقيم كأس العالم لقفز الحواجز والترويض في مدينة الرياض في أبريل 2024، ليكون الأول من نوعه في دولة عربية. كما نظمت بطولة ريتشارد ميل لبولو الصحراء في العلا في يناير 2024، وتعد فعالية تجمع نخبة من محترفي الفروسية. بالإضافة إلى هذه الإنجازات الرياضية، استضافت المملكة كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2024، وهو الإصدار الأول من هذه البطولة السنوية الدولية التي تحل محل مهرجان Gamers8، وتديرها مؤسسة كأس العالم للرياضيات الإلكترونية بتمويل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي. أقيم الحدث في مدينة الرياض خلال الفترة من 3 يوليو إلى 25 أغسطس 2024، وضم 22 حدثاً في 21 عنواناً مختلفاً لألعاب الفيديو، مما يبرز التنوع في الفعاليات الرياضية التي تستضيفها المملكة.
و من المتوقع أن تستضيف المملكة أولمبياد الرياضات الإلكترونية 2025، الذي سيعد من أكبر الأحداث في مجال الألعاب الإلكترونية ويعزز من مكانة السعودية في هذا القطاع. وستستضيف أيضاً دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 في مدينة نيوم، لتكون أول دورة شتوية تقام في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى كأس آسيا لكرة القدم 2027، والذي سيشهد منافسة بين المنتخبات الآسيوية في واحدة من أهم البطولات القارية.
تلك الفعاليات مجتمعة تعكس الجهود الدبلوماسية والرياضية للمملكة العربية السعودية في تعزيز التعاون الدولي، وإظهار قدرتها واستعدادها الكامل لتنظيم كأس العالم. الدبلوماسية الرياضية السعودية لعبت دوراً مهماً في تعزيز العلاقات بين الشعوب من خلال الرياضة كوسيلة للتفاهم والتقارب الثقافي، مما يعزز من مكانة المملكة على الساحة الدولية.
الاستعدادات لاستضافة كأس العالم تشمل تطوير البنية التحتية الرياضية والسياحية. القيادة السعودية استثمرت بشكل كبير في بناء وتحديث الملاعب والمنشآت الرياضية وفق أعلى المعايير الدولية. هذه المنشآت لا تخدم فقط كأس العالم، بل تهدف إلى دعم الحركة الرياضية في المملكة وتعزيز الرياضة كجزء من الحياة اليومية للمواطنين. بالإضافة إلى ذلك، تم تحسين قطاع السياحة والفنادق لتوفير أفضل الخدمات للزوار القادمين من مختلف أنحاء العالم، مما يعزز من جاذبية المملكة كوجهة سياحية.
ومن الجانب الإسلامي، تعتبر المملكة العربية السعودية واجهة إسلامية بارزة نظراً لاحتضانها الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة. استضافة كأس العالم ستتيح فرصة لتعريف العالم بالتراث الإسلامي الغني والقيم الإسلامية السمحة التي تعزز التسامح والتعايش بين الشعوب. كما ستسهم في تعزيز مكانة المملكة كقائدة للعالم الإسلامي، مما يعكس التزامها بخدمة الإسلام والمسلمين وتقديم صورة مشرقة عن الإسلام للعالم أجمع.
على الصعيد الاقتصادي، من المتوقع أن يكون لكأس العالم 2034 تأثير كبير على الاقتصاد السعودي. البطولة ستجذب استثمارات ضخمة في مختلف القطاعات، وتوفر فرص عمل جديدة للشباب السعودي، وتعزز السياحة والإنفاق الداخلي. كما ستساهم في تعزيز صورة المملكة كوجهة رياضية وسياحية عالمية، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والاستثمار في المستقبل. جاذبية المملكة للمستثمرين الأجانب ستتزايد بفضل الاستقرار السياسي والاقتصادي، والبنية التحتية المتطورة، والفرص الاستثمارية الواعدة التي تقدمها المملكة.
من الناحية الثقافية، سيكون كأس العالم فرصة لتسليط الضوء على التراث والثقافة السعودية الغنية.
الزوار والمشجعون من جميع أنحاء العالم سيتمكنون من اكتشاف التنوع الثقافي في المملكة، والتعرف على عاداتها وتقاليدها الفريدة. الفعاليات المصاحبة لكأس العالم ستساهم في تعزيز التبادل الثقافي بين المملكة وباقي دول العالم، مما يعزز التفاهم والتعاون بين الشعوب.
في الختام، إن استضافة المملكة العربية السعودية لكأس العالم 2034 تعد تجسيداً لرؤية المملكة 2030 الطموحة، ودليلاً على قدرتها على تحقيق إنجازات عالمية بفضل القيادة الحكيمة والسياسات المتوازنة. حيث يعتبر هذا الحدث ليس مجرد إنجاز رياضي، بل هو خطوة استراتيجية نحو تحقيق رؤية شاملة للتنمية والازدهار. إن التقدم الذي تحرزه المملكة في مختلف المجالات، سواء من خلال تطوير البنية التحتية، أو تعزيز العلاقات الدبلوماسية، أو جذب الاستثمارات الأجنبية، يعكس رؤية مستقبلية طموحة تهدف إلى وضع المملكة في مقدمة الدول الرائدة عالمياً. هذا الحدث سيكون بمثابة منصة لتسليط الضوء على إمكانيات المملكة الهائلة وفرصها الواعدة، وسيكون له تأثير إيجابي طويل الأمد على اقتصادها ومجتمعها وثقافتها. يمكن القول بكل ثقة أن كأس العالم 2034 سيكون حدثاً استثنائياً يساهم في بناء مستقبل مشرق للمملكة وللمنطقة بأسرها.
حفظ الله المملكة وقادتها وشعبها، وأدام عزها ومجدها ووحدتها، وجعلها ذخراً للإسلام والمسلمين.
أستاذ القانون الدولي – جامعة جدة # سياسي – دولي – دبلوماسي