✍️ جمعان البشيري
ذات يوم قررت أخيرًا لقاء أحد أصدقائي الذين اشتقت إليهم بعد أسابيع طويلة من الانقطاع. خرجنا معًا، واتجهنا إلى أحد الكافيهات لنستمتع بالوقت، لكن فجأة قال لي: “برجع البيت.” استغربت وسألته: “ليش؟” فرد ضاحكًا: “نسيتني في البيت!”
وقفت مصدومًا: “كيف يعني؟” فرد بضحكة أخرى: “نسيت نفسي، قصدي نسيت جوالي!” وبدأ يشرح لي أن الهاتف المحمول صار “نفسه الحقيقية”، وأنه بدونه لا يشعر أن له أي قيمة في هذا العالم الرقمي.
يا للعجب! أصبحنا نتعامل مع هواتفنا كأنها جزء من كرامتنا، بل ربما أهم!
الحياة الرقمية أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من وجودنا، فهي لم تعد مجرد أداة تُستخدم لتسهيل الأمور اليومية، بل أصبحت رفيقًا دائمًا في رحلة الحياة. الهواتف المحمولة تحديدًا تحولت إلى امتدادٍ لهويتنا الشخصية، حيث نجد أنفسنا نعتمد عليها في كل جانب من جوانب حياتنا. العمل، المعاملات المالية، المراجعات في الدوائر الحكومية، الحجز في المستشفيات، وحتى التعامل مع القضاء، كلها باتت مرتبطة تمامًا بعالم الرقمنة.
تخيل حياة بلا هاتف محمول، في وقت أصبحت فيه جميع معلوماتنا، أسرارنا، وأدواتنا مخزنة في هذا الجهاز الصغير. الأرقام السرية والأكواد التي نتعامل معها يوميًا أصبحت مفتاحًا لكل ما نحتاجه، من فتح حساباتنا البنكية إلى تسجيل دخولنا في التطبيقات وحتى تأمين بياناتنا.
إذاً، يمكن القول إن حياتنا الآن معتمدة بشكل كامل على الرقمنة. وفي ظل هذا الاعتماد، فإن الفرد الذي لا يمتلك القدرة على التعامل مع هذه الأدوات الرقمية قد يشعر بالتهميش أو الاغتراب. فالرقمنة لم تعد ترفًا، بل أصبحت معيارًا للقدرة على التواصل والمشاركة في المجتمع الحديث.
لكن، مع هذا التقدم الرقمي، يثار عدة اسئلة مهمة : هل فقدنا شيئًا من إنسانيتنا في هذه الرحلة؟ هل أصبحنا مجرد أرقام وكودات؟
هل اصبحت الرقمنة والحياة الافتراضية رفيقاً في رحلة الحياة الواقعية أم قيوداً لها ؟
الإجابة قد تختلف، لكنها بالتأكيد تدعونا للتفكير في كيفية تحقيق توازن بين العالم الرقمي والواقع الملموس، بحيث تظل التقنية وسيلة تخدمنا، لا أن نكون نحن خدامًا لها.