ينتظر كثيرٌ من البشر ساعة الصفر لانطلاق الحرب العالمية الثالثة، وكأنها الشرارة التي ستوقد شعلة الأولمبياد. لكن العالم الذي اكتوى بنيران الحرب العالمية الثانية، وما حملته من ألم ورعب ودمار، ليس مستعدًا لخوض تجربة جديدة من الفناء المحقق.
في عالمنا اليوم، الذي يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا وشبكات الاتصالات والطاقة، لا يمكن للبشرية تحمل تعطل بسيط في شبكة المعلومات، فضلاً عن انقطاع كامل للطاقة الكهربائية أو توقف شبكات الاتصالات وخدمات المياه وغيرها من الخدمات الحيوية. هذا العالم يختلف جذريًا عن عالم الأربعينات الميلادية، الذي لم تكن التكنولوجيا قد غزته إلا على استحياء.
ما يختزنه العالم الآن من ترسانات نووية لا يعدو كونه إرثًا ثقيلًا ومقلقًا لحقبة مظلمة. هذه الترسانات ليست لها وظيفة حقيقية اليوم سوى الردع والتخويف، لأن استخدامها يعني الفناء الشامل للبشرية. حتى صُنَّاع هذه الأسلحة يدركون خطورة استعمالها، فهم أكثر حرصًا على الحياة من غيرهم، كما ورد في قوله تعالى:
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة: 96].
الحرب العالمية الثانية بدأت برصاصة واحدة، أما الحرب العالمية الثالثة المنتظرة فقد أبت أن تشتعل رغم محاولات إيقادها بوسائل أكثر تطورًا وأقل تأثيرًا على البيئة من النووي. ربما لأن العالم أدرك أن البدء بحرب شاملة في هذا العصر يعني دمارًا لا يمكن تجاوزه.
حرب باردة مستمرة
ومع ذلك، قد تكون الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل، ولكن بأسلحة مختلفة وأقل وضوحًا. فبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، شهد العالم استخدام وسائل وأدوات أشد فتكًا بالبشرية، مع تقليل التأثير المباشر على البيئة. الشواهد الحالية تشير إلى أن البشرية ربما تكون في خضم حرب باردة جديدة، لكنها هذه المرة تُذبح على البارد.