تمثل الثقوب الزرقاء نظامًا بيئيًا وتكوينًا جيولوجيًا فريدًا وثريًا بتنوعه الأحيائي وخصائصه الفيزيائية والكيميائية، مما جعلها ملاذًا واسعًا للكائنات البحرية كالسلاحف البحرية، والأسماك، والثدييات البحرية، واللافقاريات.
وتأتي هذه الثقوب التي تعد من الظواهر الجيولوجية النادرة، على شكل كهوف عمودية الشكل تكون أعمق بكثير من المياه المحيطة بها، وهي عبارة عن منخفض بحري عميق، مقارنة بالمناطق الضحلة من حوله، وتبرز على شكل حلقات من الشعاب المرجانية التي يمكن رؤيتها من سطح البحر، لكن تحت السطح تظهر لنا بشكل إسطواني يشق طريقه للأعلى من عمق يصل إلى 700 إلى 900 متر تحت سطح البحر، حيث تعد وجهة لآلاف السياح والمكتشفين، إذ يعد الغوص في هذا النوع من الثقوب من الأنشطة السياحية الرئيسة المفضلة لدى محترفي الغوص، مما يجعل النشاط الذي يندرج في منظومة السياحة البيئية يشكل أحد روافد الاقتصاد المهمة.
ويقوم مركز الحياة الفطرية بدراسة جديدة لكشف المزيد من خفاياها كخطة استكشاف البحر الأحمر، حيث تم اكتشاف الثقوب الزرقاء في مياه المملكة بعد أن أطلق المركز خطته لاستكشاف البحر الأحمر لإجراء أول مسح شامل لبيئات المياه السعودية هناك، بهدف جمع بيانات وإجراء دراسات عن بيئات البحر الأحمر وتنوعها الأحيائي وخصائصها البيئية، وهي دراسات تتناول التنوع البيولوجي والمخاطر والتهديدات على هذه البيئات المهمة في المياه السعودية للبحر الأحمر التي تحتاج إلى الحماية وتتطلب الكثير من الأنشطة البحثية.
ويبلغ طول البحر الأحمر 1900 كم كأكثر المسطحات البحرية دفئًا لوقوعه في منطقة قارية جافة ترتفع فيها معدلات التبخر، ويشتهر بموائله المتنوعة الممتدة على طول الساحل، والتي اجتذبت اهتمام العلماء الذين يدرسون أهميتها البيئية وتأثيرات التغير المناخي عليها، في ظل ما تحتويه من تنوع أحيائي فريد جعل البحر الأحمر واحدًا من أهم مناطق هذا التنوع.
وتتناغم حماية هذه البيئات ودراستها مع أهداف ” مبادرة السعودية الخضراء “، المتمثلة في مبادرة رفع نسبة المناطق المحمية لتصل إلى 30% من مساحة المملكة بحلول 2030، إضافةً إلى مبادرة تقييم ودراسة بيئاتنا البحرية وإعادة تأهيل المتضرر منها.
وقد أطلق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في فبراير 2022م رحلة العقد التي امتدت على مدى 19 أسبوعًا من منطقة عفيفي جنوبًا حتى خليج العقبة شمالًا، بمشاركة 126 باحثًا تم توفير أحدث التقنيات لهم على متن سفينتي الأبحاث العالمية “أوشن إكسبلورر”، والوطنية “العزيزي” بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، إضافةً إلى مشاريع نيوم وآمالا والبحر الأحمر.
وقدمت هذه الرحلة العديد من الاكتشافات المتميزة التي تم توثيقها بإنتاج مواد وثائقية وإعلامية عن المناطق المدروسة، مع تقديم صور عن بيئات البحر الأحمر وما يزخر به نظامه البيئي من تنوع أحيائي فريد ودراسة خصائصه الطبيعية (الجيولوجية والكيميائية والفيزيائية)، إضافةً إلى إنشاء قاعدة بيانات تمثل خط أساس في إدارة المناطق البحرية بشكل مستدام.
ويعد اكتشاف الثقوب الزرقاء واحدًا من أبرز المخرجات النوعية لهذه الرحلة البحثية التي مثلت انطلاقة جديدة للتعرف على كنوز البحر الأحمر.
ويواصل المركز دراساته وأبحاثه حول هذه الثقوب التي تُسمى: “المختبر الحي”، بهدف فهم تكوينها ونشأتها وتحديد التنوع البيولوجي والخصائص البيئية فيها، إضافةً إلى تقييم دورها كملاذ طبيعي للكائنات البحرية وكمؤشر لصحة النظام البيئي البحري في المنطقة، حيث يتعاون المركز مع جهات بحثية عالمية للاستفادة من نتائج مشابهة لتحقيق فهم أوسع، مع مراعاة اختلاف ثقوب البحر الأحمر عن غيرها مثل تلك الموجودة في البحر الكاريبي من حيث التكوين البيئي والأنواع البحرية المستوطنة، مما يستدعي عمل دراسات مقارنة لتحليل الفروقات البيئية والجغرافية.
وتشمل الدراسة الجديدة تحديد عمق الثقوب وتكوينها الجيولوجي وقياس الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمياه، وتحديد أنواع الكائنات البحرية المستوطنة فيها ومدى الحماية التي تحتاجها، إضافةً إلى مدى قربها من الساحل وتنوع النظام البيئي المحيط بها والعوامل التي تؤثر على الوصول إليها.
وتستخدم الدراسة تقنية Multibeam Echo Soounder التي تتيح إمكانية تصوير وتحديد تضاريس قاع البحر بدقة عالية، مما يساعد في تحديد عمق الثقوب الزرقاء بدقة، كما تستخدم طائرات الدرون لتوفير صور جوية دقيقة تُظهر حدود الثقوب وتساعد في توثيق التنوع البيئي حولها.
وتشمل المعايير الفيزيائية والكيميائية التي سيتم قياسها: درجة الحرارة، مستوى الأوكسجين، الملوحة، تركيز الكربونات، والأس الهيدروجيني Ph ، حيث تعكس هذه المعايير حالة النظام البيئي ومدى قدرته على دعم الحياة.
ويُتوقع أن تسهم هذه الدراسة في تحديد التكوين الصخري للثقوب وأعماقها وكيفية تشكّلها عبر الزمن. كما تشمل رصد الأنواع البحرية المهددة الموجودة فيها، مع تقييم المخاطر المحتملة على بيئتها الطبيعية.
وتبرز أهمية الثقوب الزرقاء باعتبارها ملاذًا طبيعيًا للكائنات البحرية بفضل عمقها وشكلها الفريد الذي يوفر حماية من العوامل البيئية الخارجية، وهي تسهم في إثراء التنوع الأحيائي من خلال بيئتها المستقرة بما يعزز التوازن البيئي في البحر الأحمر.
وستسهم نتائج هذه الدراسة في وضع خطط حماية مبنية على بيانات دقيقة تسهم في تعزيز استدامة هذه المناطق، حيث إنه من المزمع أن يجري المركز مراقبة دورية للثقوب الزرقاء بعد الانتهاء من الدراسة، ويتوقع أن تتعرض الثقوب لتغيرات مناخية، مما قد يؤثر على النظام البيئي بداخلها