المقالات

الجامعات والتشغيل الذاتي!!

معروف أن هناك كانت مراكز بحثية في بعض الدول مثل المغرب، والهند، وبعض الدول العربيةِ والإسلامية تُموَّلُ من خلال أوقافٍ عقاريةٍ لها في مكة المكرمة والمدينة المنورة !!
استوقفني هذا من جهتين :
الجهة الأولى: أنَّ مؤسساتنا التعليمية أولى بمثل هذا.
والجهة الثانية : أنَّ فكرة (التشغيل الذاتيّ) للجامعاتِ باتت اليوم ضرورةً ملحةً في وقتنا الحاضر، وذلك في ظل ازدياد نفقات التعليم، والبحث العلمي، وحاجات المعلمين والمتعلمين.
هذا التمويلُ الذي يُدرجُ الجامعاتِ تحت نطاق ما يسمى بالقطاع الثالث.
وهو مصطلح يقصد به المنظماتُ الخدميةُ التي تعتمدُ على التشغيلِ الذاتيِّ، ولا تتوقف أنشطتُها على الداعمين، والمتبرعين، وميزانية الدولة، فهي ربحيةٌ ولا ربحية في الوقت نفسه.
ويمثِّلُ هذا القطاع إضافةً مهمةً لأيِّ مجتمعٍ من المجتمعاتِ لأنَّهُ يقدِّم رافداً جديداً من روافد المجتمع المدنيِّ الحيِّ. ومزيَّتُهُ أنَّه يقدِّم الخدمةَ المجتمعيةَ اللازمةَ دون إرهاقٍ لميزانية الدولة أو الأفرادِ والشركات.
وفي بلادنا تجاربُ رائدةٌ في هذا المجال، من أشهرها مؤسسة الملك فيصل الخيرية، هذه المؤسسة التي تتبنى جائزة الملك فيصل، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومدارس الملك فيصل، وجامعة الفيصل، وجامعة عفت، وبرنامج الإعداد الجامعيّ.
هذه المؤسسة التي تتبنى كل هذه المناشط تُموِّل نفسها ذاتياً دون أي دعمٍ أو تبرعٍ منذ حوالي أربعة عقود!! أي منذُ أن وضع ورثة الملك فيصل رحمه الله إسهاماتهم فيها لأول مرة!
ولا ريب أنَّ القطاع التعليميّ هو أَوْلى الجهاتِ بسلوك هذا المسلك، نظراً لما يمثله (اقتصاد المعرفةِ) في وقتنا الحاضر من قوّةٍ متناميةٍ في جميع دول العالم المتقدم، حيث ظهر ما يسمى بـ ( الجامعات المنتجة)، وهي الجامعات التي تغطي تكاليف تشغيلها عبر برامجها الاستثمارية.
وقد أشارتْ بعض الدراسات والأبحاث إلى أنّ ميزانية جامعة هارفارد الأمريكية في البحث العلمي (وهي جامعة منتجة) تعادلُ ميزانية البحث العلمي في دول الخليج مجتمعةً!!
وهناك معهد ماساشوستس للتقنية بلغت استثماراته في الأبحاث العلمية حوالي مليار دولار ، مثلت رعاية المؤسسات الصناعية مثل “فورد” و “جوجل” و “انتل” و “شل” حوالي 16% منها.
وأظهرت دراسة قامت بها جامعة ستانفورد الأمريكية قبل سنوات أن الشركات التي تأسست على أيدي خريجيها تدر عائدات عالمية تقدر بمبلغ يساوي 2.7 تريليون دولار سنوياً.
وأفادت دراسة أخرى أن 55 جامعة أمريكية بلغ مجموع أوقافها مليار دولار!
من هذا المنطلق يجب على جامعاتنا السعوديةُ أن تطرقُ أبواب الاستثمار، في محاولةٍ جادةٍ لتخفيف العبء على ميزانية الدولة، والانطلاق إلى آفاق أوسع، وذلك من خلال تأسيس شركات تقنية تقوم بتوظيف الكفاءات والإمكانات التي تملكها الجامعات في منظومة استثمارية تعزّزُ جهود الجامعات السعودية التعليمية والبحثية.
تهدف هذه الشركات لتوظيف إمكانات الجامعات وتحقيق عوائد لها من خلال البحث العلمي، والاستشارات، والمؤتمرات والمعارض، والحاضنات التكنولوجية، وتشغيل الورش والمعامل والعيادات، والمستشفيات الجامعية، وتسويق منتجاتِ واكتشافات ومخترعاتِ أعضاء هيئة التدريس. وأيضاً من خلال المشاريع الاستثمارية العقارية والتجارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى