من مشكاة الحكمة ودلائل العقل السليم، يتضح أن الإغراق في المثاليات ليس سبيلًا واقعيًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بمحاولة تغيير سياسات ثابتة وراسخة تقف وراءها قوى ولوبيات ومصالح وعقائد وتاريخ وصراعات. فلا يُتوقع تغيير السياسة الأمريكية تجاه قضايا العرب وأزماتهم المزمنة في عهد ترامب، خصوصًا إذا لم يرتقِ أصحاب الحق المهضوم إلى مستوى التحدي المطلوب لإثبات التأثير في الداخل الأمريكي وخارجه.
يدخل ترامب البيت الأبيض جذلًا مسرورًا بما حققه من فوز وصفه بنفسه بـ”المجنون”. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل سياساته السلبية السابقة تجاه العرب في جميع المجالات. ومن المعروف أن ما يُقال خلال السباق الانتخابي من وعود سرعان ما يتلاشى، خاصة عندما تزول نشوة الانتصار ويبدأ التفكير الجاد. إذ أن مطبخ القرار الاستراتيجي الأمريكي لا يتمركز فقط في البيت الأبيض، بل يتوزع بين عدد من القوى الناعمة ذات النفوذ القوي، والتي تقوم بتصفية القرارات وتنضيجها قبل الوصول إلى الرئيس. ومن هذه القوى:
1. الاستخبارات.
2. وزارة الدفاع.
3. الشركات الكبرى.
4. اللوبي الصهيوني.
5. مراكز البحوث، وأبرزها مؤسسة “راند” ذات العلاقة الوثيقة بوزارة الدفاع الأمريكية، حيث تنشر 95% من بحوثها للدعاية والتضليل السياسي، و5% فقط لسيد البيت الأبيض.
تُظهر العقلية التجارية لترامب تأثيرها الكبير على سياسته. وعلى الرغم من أنه ليس متدينًا، إلا أن انتماءه للحزب الجمهوري وجناح الصقور من التيار النصراني الأصولي المتعصب ألقى بظلاله على قراراته. ومن أبرز هذه القرارات خلال ولايته الأولى: إعلان يهودية القدس والجولان، وصفقة القرن التي هدفت لتصفية القضية الفلسطينية.
السياسة الخارجية وملامح الاستراتيجية
من المتوقع أن يعود ترامب بسياساته الابتزازية، خاصة في الجوانب الاقتصادية مع الحلفاء في أوروبا، والشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا، وأفريقيا. قد يسعى أيضًا لإيجاد مخرج دبلوماسي لبوتين دون السماح له بالسيطرة على أوكرانيا، مقابل التفاوض على شروط مثل انسحاب روسيا مقابل رفع العقوبات. في الوقت نفسه، تستمر السياسة الأمريكية الراسخة في تأييد الكيان الصهيوني ودعمه بأشكال غير مسبوقة.
الوضع العربي والخليجي
ستظل منطقة الخليج العربي مهددة في أمنها، بينما ستستمر الفوضى وعدم الاستقرار في دول مثل العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، والصومال، والسودان. هذه الفوضى تُعد جزءًا من استراتيجية أمريكية مستمرة تهدف إلى إبقاء المنطقة على صفيح ساخن، ما يمنع بناء حضارة عربية مستقرة ومزدهرة.
ما يهم الآن هو عدم التعويل على إدارة ترامب لتحسين أمن المنطقة. بل على العرب، خاصة دول الخليج، التركيز على تعزيز الوحدة والتضامن والتنسيق لمواجهة هذه التحديات. إذ أن استمرار التشرذم سيزيد من حدة الاضطرابات ويؤدي إلى مزيد من الاستنزاف.
الخلاصة
إن التفاؤل بقدوم ترامب وتحقيق تغيير إيجابي للعرب هو خيال مبني على أماني فارغة. الأهم هو إعادة بناء استراتيجيات عربية وحدوية قوية لمواجهة التحديات، وتوحيد الصفوف بدلًا من الاستسلام للواقع المضطرب.