قصيدة وطنية حافلة بالمعاني العظيمة التي تثير الدم فيتدفق حبًا في عروق كل سعودي، قصيدة جاءت بالمعاني التي تدل على المكانة العالية لهذا الوطن الغالي، حاملة من عجائب التصوير ما يبهر القارئ والسامع، ابتداءاً من عنوان القصيدة الذي جاء مضيئاً بمعاني الرفعة والسمو.
فالشاعر يصور علو وسموق هذا الوطن حين استخدم الكناية في قوله ” فوق هام السحب” فجعل من الوطن تاجاً يعلو رؤوس السحب بريقا ولمعاناً حتى أبصره الكون كله، ثم يتبعها بقوله” وإن كنتِ ثرى” فترابك هو شذرات الذهب، في قدره الذي لا يقدر بثمن، ثم يواصل تصويره البديع مؤكداً على علو وشرف الوطن بأنه قد تعدى السحاب نِيَافَة ليعتلي الشهب، يؤكد مرة أخرى قيمة ثراه الذي تزينت به الشهب، يواصل ترسيخ معاني العزة والمنعة في جملة تقريرية “عزك لقدام أمجادك ورى”حاملة بين طياتها كناية عن أن الحاضر الذي هو لواء التقدم والازدهار والعزة ، والماضي الشاهد على المجد الذي لن يفنى.
يؤكد الشاعر في قوله:
“وان حكى فيك حسادك ترى ما درينا بهرج حسادك أبد”
أنكِ يا بلادي من الرفعة والإباء ما يجعلك غير مبالية بكلام الحاسدين والحاقدين بل لا تسمعينه من الأصل، وفي ربط جميل بين المعاني واصل تأكيده بأنه لا مثيل لهذه البلاد وقوتها بين جميع بلاد الأرض فقد حباها الله بالأماكن المقدسة والمقدرات المادية والمعنوية فأصبحت بها فريدة متفردة.
وفي نقلة جميلة مفعمة بالكنايات وصف أولئك الذين استحقوا أن يملكوا زمام هذه البلاد ويعيشوا على أرضها:
من على الرمضا مشى حافي القدم يستاهلك
ومن سقى غرسك عرق دمع ودم يستاهلك
من رعى في صحراء الضما إبل وغنم يستاهلك
من يستحقك هو ذلك الذي كابد وتحمل الصعاب وقاتل لأجل حياتك، ألقى بنفسه في غمرة الأهوال من أجلك، فأحرقت الصحراء قدماه لتزهر أرضك، وسقى ثراك بعرقه ودمعه ودمه حتى تثمر حقولك، وهو ذلك الذي رعى جوانب الفيافي بإبله وغنمه وتحمل مشقة العيش لأجل أن ترتقي ويكثر خيرك.
يضفي الشاعر مزيداً من الجمال في هذين البيتين:
حنا هلك يا دارنا برد وهجير
و نستاهلك يا دارنا وخيرك كثير
في طباق بديع بين “برد وهجير” ليبث في الأنفس روح التمسك ذلك أننا في كل أحوالك لك ومنك وإليكِ، فنحن من يستحق خيرك ونحن من يتألق بين يدينا جمالك.
ثم يتابع توهج المعاني في هذه القصيدة من خلال هذه الأبيات:
ومن دعا لله وبشرعه حكم يستاهلك
ومن رفع راسك على كل الأمم يستاهلك
ومن ثنى بالسيف دونك والقلم يستاهلك
أيتها الباسقة العملاقة يستحقك حكامٌ دعوا للخير و الصلاح، حكموا بشريعة الله وسنة نبيه، عظماء حملوا على اكتافهم أن يعلو رأسك على سائر الأمم، وذادوا عن حدودك بالسيف والقلم قولا وعملاً، في الأبيات صورة جميلة في قوله:
“من رفع راسك” حيث صور هذه البلاد الرفيعة في هيئة امرأة ذات جاهٍ ترفع رأسها بشموخ وعزة على رؤوس العالمين، لأنها صاحبة سيادة وحوض لا يضام.
يربط الشاعر بين الحكام وأبناء الشعب في حبهم لهذه البلاد الطيبة في قوله:
”نستاهلك يا دارنا وحنا هلك
أنتي سواد عيوننا شعب وملك”
يقول في إيقاع جميل بأنك تجرين منَّا مجرى الدم فليس لنا سواك، وأنت ليس لك إلا نحن وعلى هذا نعاهد الله، وفي تشبيه بليغ أنت منَّا عين القلب وعين الروح وعين البدن حكاماً وشعباً.
في هذه القصيدة التركيز على عرض الشعور اللغوي الذي تظهره الكنايات والمجاز والتصوير البديع، وكما أشرنا سابقاً بأن عنوان القصيدة التقريري يمثل المعنى بأسره، غلب على مجمل القصيد المعنى التقريري التوكيدي الذي يحقق الانفعال والدهشة التي حملتها المعاني.
تأتي الكلمات والمعاني متتالية قوية تتغنى بعظمة هذه الدولة وأمجادها وسيادتها، وبسالة أبنائها مصوراً هذا كله بموهبته الشعرية العبقرية، القصيدة ذات فنٍ جمالي لا يخلو من الإبداع الذي يشعل في النفس شعور العزة والمنعة والحمية تجاه الوطن الغالي.
حين قراءة القصيدة نحن أمام عظمة شعرية لا تكاد تلمس قلب ا لقارئ حتى يشع فيه ويضطرم حماسة وفخراً، عبر الشاعر عما يثور في نفسه من العواطف وما يدور في نفسه من الخواطر عندما نظم الكلمات بهذا البهاء العملاق، الذي يثير في أنفسنا مشاعر تدفعنا إلى التمسك بوطننا والسعي نحو رفعته وعلوه لأنه يستحق منَّا كل ذلك بل وأكثر.
في القصيدة مشاعر وجدانية وإلتحام بين الحكام والشعب، ومشاعر إنتشاء بالوحدة والألفة،صاغ هذا كله بألفاظ قوية وأساليب بلاغية مؤثرة مع الجزالة وجمال التصوير، مما يجعلنا نقع أسرى أمام جمالها وتميز ايقاعها.