همس الحقيقة
نختلف كثيرًا ونتفق قليلاً، وربما العكس، مع الزميل وليد الفراج فيما يطرحه عبر برنامجه اليومي “أكشن مع وليد”. ليس مهمًا نسبة هذا الاتفاق أو الاختلاف، فهناك العديد من الجوانب الإيجابية التي تغطي على السلبيات التي استطاع “أبو بدر” مع خبرة السنين تفاديها، وفقًا لمتطلبات سوق الشارع الرياضي. تلك المتطلبات التي جعلته مقدم برنامج “فهلوي” يعرف “من أين تُؤكل الكتف”، ويجعل من الآراء والقضايا الساخنة التي يطرحها مثارًا للجدل، وهو حريص على إعدادها بشكل “مدروس” ومرتب بحنكة “ابن الصحافة”، التي تربى ونشأ وترعرع في أحضانها.
هذا واحد من عدة عوامل ساهمت في نجاح برنامج أصبح وجبة دسمة ومهمة جدًا للجمهور الرياضي المشاهد. ذكّرني هذا النجاح ببرنامج “خط الستة”، الذي حققه الزميل محمد نجيب (عجّل الله في شفائه)، مع ضيوفه من النقاد، حيث كنت أحدهم. وكيف كان المشاهدون في كافة دول الخليج يضبطون ساعاتهم مساء كل يوم اثنين كي لا تفوتهم دقيقة من هذا البرنامج، الذي كان نقطة تحول كبيرة في مسيرة حرية الرأي على مستوى الإعلام المرئي. ومنه انطلقت بقية البرامج الرياضية في القنوات السعودية الحكومية والخاصة، لتفتح باب الحوار المفتوح بكل شفافية وجرأة، رغم كافة “المحاذير” والأهواء التي اعترضت طريق “السلطة الرابعة” بعدما استولت عليها البرامج الرياضية، في ظل اندثار الصحافة الورقية بكافة تخصصاتها.
أعود إلى العوامل التي ساهمت في نجاح برنامج “أكشن يا وليد”، وأولها اختياره الموفق لفريق العمل، ومن أبرزهم الزميل الدكتور وليد بن مهري، وفريقه في قسم الإعداد، الذي تشعر بوجوده النابض مهما تغيّر اسم البرنامج أو ضيوفه. هذا الاختيار كان له أثره الواضح في تقديم “أبو بدر” لعدد كبير من النقاد الذين أعاد اكتشافهم من جديد، وكذلك المحللين الرياضيين الذين غيروا “ثقافة” المشاهد حول مفهوم التحليل الرياضي لكرة القدم. بدءًا من الكباتن خالد الشنيف وموسى المحياني، وانتهاءً بالدكتور سلطان اللحياني والمبدع عماد السالمي.
وهنا، من حقي أن أتوقف طويلًا مع هذا الاسم المحبوب جدًا، حيث أرى أن عماد السالمي هو “أعظم اكتشافات” زميلنا وليد الفراج، لما يتميز به من عدة خصال لا تتوفر في غيره من زملائه المحللين في نفس البرنامج أو البرامج الأخرى، مع احترامي الشديد لهم جميعًا، وفي مقدمتهم الزميل إبراهيم العنقري، الذي لا أنكر إعجابي بهدوئه ورزانة طرحه وقدرته على ضبط أفكاره.
هذا الاكتشاف كنت أرغب في الكتابة عنه منذ أشهر، إلا أن “بنات أفكاري” شعرت للمرة الأولى بالغيرة، ما شتّت أفكاري في مواضيع أخرى. إلى أن شاهدت وسمعت طفلًا في فقرة “نقطة نظام” يوجه رسالة إلى عماد السالمي مختصرة في كلمات معدودة: “أنت تعرف وفاهم كورة ووليد الفراج محظوظ بك”. بلاغة طفل هزّت مشاعري، فتمردت على بنات أفكاري لأكتب هذا المقال، وأضيف السمات التي جعلتني أراه “أعظم اكتشاف”.
حينما تستمع لتحليلات عماد السالمي، يجذبك بلغته الراقية وتحضيره المتميز لكل مباراة، وأجمل ما في ذلك هو لغة الجسد التي يتميز بها. غير ما يقدمه من قراءة فيها عمق أدبي وفني في طريقة الوصف والتحليل، وترتيب أفكاره يشعرك بجاذبية غريبة في النطق وتمثيل كل حالة، وكأنه على خشبة مسرح يعزف منفردًا. يحاكي رؤيته لأحداث المباراة من زوايا فنية، مقدمًا قراءة مسبقة لتوقعاته أو آراء نقدية “مبسطة” للأخطاء التي يقع فيها المدربون واللاعبون.
لست مبالغًا في مدحي لهذا المبدع، الذي أتمنى له كل التوفيق في مواصلة هذا الفن الذي يقدمه (ألقًا) تتوفر فيه “صور” بليغة في فن التحليل الرياضي. وأرجو، وهو في هذا السن المبكر، ألا يصطاده “الغرور”، وهو أبعد ما يكون عن ذلك، لكن خوفي عليه دعاني إلى هذا التحذير.
وفي الختام، شكرًا من الأعماق للزميل وليد الفراج على هذا الاكتشاف العظيم، ومزيدًا من هذه الاكتشافات المبهرة التي تثري ساحتنا الرياضية بهذه النوعية من النماذج “المشرفة”.