في حوار دار بيني وبين الأستاذ الدكتور علي ثويني، وهو أكاديمي معروف ومن أصول عراقية، معماري وفيلسوف وأحد علماء الآثار والتراث العمراني. درس في عدة جامعات عالمية، ومنها جامعة الملك سعود، وهو من عشاق تراث منطقة الباحة بالمملكة العربية السعودية. تناول الحوار تشكُّل الوعي وما ذهب إليه “ديكارت” فيما يتعلق بالفكر والتمييز والإدراك. وخلال مداخلته، قال الدكتور ثويني معلقًا:
“قال الروائي والفيلسوف الروسي الكبير دوستويفسكي:
“أقسم لكم بأغلظ الأيمان، أن شدة الإدراك مرض”.
وقال الشاعر العباسي المتنبي:
“ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم”.
أما الكاتب التشاؤمي والفيلسوف الرائع كافكا فقال:
“إذا كان هناك ما هو أشد خطورة من الإفراط في المخدرات فمن دون شك هو الإفراط في الوعي”.
وقال ابن خلدون في مقدمته:
“اشتهر بين الناس أن الكامل في المعرفة محروم من الحظ، وأنه قد حوسب بما رزق من المعرفة، واقتطع له ذلك من الحظ”.
وأجاد سارتر وصف المثقف بـ”الضمير الشقي”، حيث رأى بأن المثقف هو الشخص الذي يقوم بمهامٍ لم يكلفه بها أحد.. من منطلق شفقة سارتر هنا لا السخرية!”
فقلت له: هنا اختلف الأدباء واختلفت الأزمنة والأماكن والثقافات، لكنهم اجتمعوا على الرأي نفسه حول الوعي والشقاء، وموازين الإدراك والوعي المتفاوتة. وتوافقت تلك الآراء والأقوال العالمية مع أقوال حكماء علمتهم الحياة تلك التجارب التي تشكلت عن الوعي والإدراك المتخم بمشاهد عقلية، تشكّلت منذ التمييز إلى الإدراك وتحولت إلى وعي!
ومن ذلك أقوال حكماء من بيئة زراعية مغايرة تمامًا في الثقافة، تعود لأكثر من ١٠٠ عام في بلاد غامد وزهران بالحجاز. ومن هذه الأقوال، ما قاله الشيخ الشاعر صالح بن محمد الدمشقي، أحد عُرَّاف وشيوخ قبيلة زهران، وممن كانوا يسنون الأحكام والقوانين والأعراف لقبائل غامد وزهران. ومن قرى بلحكم ببني كنانة قال:
يقلك الدمشقي ياليت بيدي موازين
وأوزن عقول البشر وأحطها في قوارير
عشان كلٌ تجي قارورته في يمينه
بقوف هو ينتظر فيده وفي ظل عقله..
الرد منه:
يالوز يالوز طلعك زايدنُ ع اللوازين
من المصاقير لا جافان لا والقوارير
واللوز في كل وادي وآهله محتمينه
يعجبك طلع الثمر في اللوز لا ظل عُقله..
وقال الشاعر صالح بن عقار، من مواليد 1352هـ، من قرية الحناديد ببيضان:
البدع:
ربنا سبحانه أمر بقسام العقول
وأعطى كلاً ما كفاه
وأما ناسٍ زادهم عن مقاسمنا شوية
والذي ما رع له شي جعل الله بي عنه
الرد:
مرحبًا يامن يصون المزارع والعقول
خذ له شهادة كفاه
عسكر ابن سعود ما يقبل العلم الشوية
من سلك في مسلكٍ خير يا ربي عنه..
ودمتم بخير.