المكتبات الخاصة ذات نكهة قد لا نجدها في المكتبات العامة، ففيها النوادر التي يقتنصها أصحابها، وفيها تعليقات أربابها من العلماء، والأدباء، وفيها أيضاً الوثائق والمراسلات والمكاتبات والكتب القديمة التي ترتفع قيمتها بقدر ارتفاع قيمة أصحابها؛ والمكتبات الخاصة مكانها منازل العلماء والأدباء والمثقفين، وصدق أبو تمام: “الكتب أجمل أثاث في المنزل حتى لو لم نقرأها”.
من أشهر المكتبات الخاصة مكتبة الفنان المصري الشخصية الراحل “حسن كامي”، والتي بها كتباً نادرة وقيمة وتراثية لا تقدر بثمن -والكلام للأستاذ فرج يونان مسؤول تقييم الكتب بالمكتبة- بها خمس نسخ من كتاب “وصف مصر” ؛ الكتاب القيم الذي يعود تاريخ صدوره إلى أكثر من مائتي عام، وتم إصداره إبان الحملة العسكرية الفرنسية على مصر عام 1798م ، سبق أن باع نسخة منه لجامعة أمريكية بحوالي 100 ألف دولار، وتم عرض نسخة نادرة منه للبيع في مزاد علني نظمته شركة “كريستيز” العالمية لتنظيم مزادات الأعمال الفنية في لندن بما يصل إلى نصف مليون دولار.
وتحتوي المكتبة أيضاً على كتاب بعنوان “مساجد مصر”، وعليه توقيع ملك مصر السابق الملك فاروق عام 1946م، ونسخ أخرى لا تحمل نفس التوقيع، وقد تم بيع واحدة منها بمبلغ يساوي 45 ألف جنيه مصري، كما أن بها عدد من لوحات المستشرقين الذين قدموا لمصر والشرق الأوسط، وهي لا تقل عن 600 لوحة، تتراوح أسعارها ما بين 8 إلى 180 ألف جنيه مصري.
والمكتبة تقع في مبنى مكون من ثلاثة طوابق في منطقة عابدين الشهيرة وسط العاصمة المصرية القاهرة، وتحمل اسم مكتبة “المستشرق”، وتعود قصة مكتبة “المستشرق” التي امتلكها الفنان المصري الراحل “حسن كامي” إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، إذ أنشأها رجل يهودي يحمل الجنسية السويسرية ومقيم في مصر في تلك الفترة يدعى” فيلدمان”، قام بجمع مجموعة من الكتب التاريخية والتراثية والمخطوطات المهمة النادرة بداخلها، ما جعلها مقصداً لجميع المثقفين والباحثين والمستشرقين من الجامعات ومراكز البحوث حول العالم.
انتقلت ملكية المكتبة إلى المصري “شارل بحري”، بعد مغادرة مؤسسها “فيلدمان” مصر بعد نهاية حرب العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م.
كان الفنان المصري “حسن كامي” من رواد هذه المكتبة وكثير التردد عليها في فترتي الخمسينات والستينات الميلادية، وزاد شغفه بشراء واستعارة الكتب منها، الأمر الذي دفع الفنان للتفكير في شرائها، وتم تحديد سعرها بقرابة مليون دولار، وقام بإقناع صديقه مالكها المصري “شارل بحري”، وتم الاتفاق على عملية الشراء على أن يكون دفع المبلغ على أقساط.
بعدها بسنوات أهدى الفنان المصري “حسن كامي” المكتبة لزوجته “نجوى” التي أدارتها على مدار سنوات طويلة إلى أن توفيت في عام 2012م، بعد سنوات من وفاة ابنهما الوحيد “شريف”، مما جعله يستردها مرة أخرى إلى أن توفي الفنان “حسن كامي” عام 2018م وحيداً دون ذرية.