همس الحقيقة
وجه المقارنة يكاد يكون معدومًا بين حكام كرة القدم الحاليين وحكام ما قبل ظهور تقنية الفار. بينما إذا نظرنا إلى خبراء التحكيم المتواجدين في البرامج الرياضية الآن، مقارنة لما قبل ظهور التقنية ممن يطلق عليهم “محلل قانوني أو تحكيمي”، نجد أن البعض منهم ما زال “مكانك سر”.
في الزمن الماضي، كان حكم الساحة وحده يتحمل “البيعة” عند ارتكابه أخطاء تحكيمية فادحة. وإن خرج من دائرة سوء الظن، فذلك عبر منطق ينص على “براءة”بإعتبار الخطأ الذي وقع فيه كان تقديريًا، حيث لا يلام المرء بعد اجتهاده. أما اليوم، ومع وجود تقنية الفار، لم يعد لحكم الساحة أي عذر عند وقوعه في الأخطاء، حيث أصبح بمقدوره الرجوع إلى التقنية لمراجعة حالات معينة ومحددة، ومعرفة تفاصيل التفاصيل لكل لحالة. رغم ذلك، ما زالت الأخطاء التحكيمية قائمة، وإن كانت قد خفت كثيرًا مقارنة بزمان الحكم بشر وقراراته تقديرية.
أما بعض خبراء التحكيم في البرامج الرياضية، فمن المؤسف أنهم فقدوا مصداقيتهم بسبب تذبذب آرائهم ،واستسلامهم للضغوط الإعلامية والجماهيرية.
-في الماضي، كنا نعتقد أنهم في وضع أفضل من حكم الساحة، الذي يصدر قراراته في أقل من ثانية، بينما الان اصبح لديهم الوقت الكافي لمراجعة الحالة بالحركة البطيئة وتقديم تحليل دقيق للمشاهد. ومع ذلك، نجد تباينًا كبيرًا في آرائهم حول نفس الحالة في مباريات مختلفة.
مع تقنية الفار، كان من المفترض أن تصبح الأمور أوضح وأسهل لهم، وأن تكون أحكامهم أكثر دقة. لكن الواقع يظهر اختلافًا واضحًا في تشخيصهم وتحليلهم وتفسيرهم للحالات، رغم أن المصدر الأساسي هو “كتاب القانون”. ولعل أبرز مثال على ذلك هو مباراة الشباب والهلال، حيث لمسنا اختلافهم الكبير في الحكم على حالة طرد مدافع الشباب نادر الشراري.
وبناءً عليه عذرًا إن قلت وبالبنط العريض: *“كذب المحللون ولو صدقوا.”*
لا يقتصر الأمر على خبراء التحكيم فقط، بل يمتد إلى كتاب الرأي والنقاد، الذين ارى البعض منهم أسوأ نتيجة لتعصبهم وميولهم العميقة لناديهم المفضل.
عموماً، مشكلة التحكيم لن تنتهي سواء بوجود تقنية الفار أو غيابها، ولا بوجود خبراء التحكيم في البرامج الرياضية أو بدونهم. لكن المسؤولية تقع عليهم بدرجة أكبر، حيث يفترض أن يكون تواجدهم على الشاشة هدفه الأساسي تثقيف المتلقي وتوعيته حول قانون كرة القدم. إلا أن تناقضاتهم واختلافاتهم في تحليل الحالات المتشابهة تجعلني أجدد القول: *“كذب المحللون ولو صدقوا.”*